130

البحر المحيط في أصول الفقه

الناشر

دار الكتبي

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٤ هجري

مكان النشر

القاهرة

وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ فِي " شَرْحِ الْمُسْتَصْفَى ": الْعِلَّةُ فِي عُسْرِ حَدِّ بَعْضِ الْمُدْرَكَاتِ هُوَ أَنَّ أَصْلَ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ كُلِّهَا الْحَوَاسُّ، فَإِذَا قَوِيَ الْحِسُّ عَلَى إدْرَاكِ أَمْرٍ مِمَّا اتَّضَحَتْ فُصُولُهُ الذَّاتِيَّةُ عِنْدَ الْعَقْلِ فَأَدْرَكَ حَقِيقَةَ مَاهِيَّتِهِ سَاغَ لَهُ حَدُّهُ، وَإِذَا ضَعُفَ الْحِسُّ عَنْ إدْرَاكِ شَيْءٍ مِمَّا خَفِيَتْ فُصُولُهُ الذَّاتِيَّةُ عَنْ الْعَقْلِ، فَلَمْ يُدْرِكْ حَقِيقَتَهُ وَمَاهِيَّتَهُ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى حَدِّهِ، وَمِنْ ذَلِكَ الرَّوَائِحُ وَالطُّعُومُ لَمَّا ضَعُفَ الْحِسُّ عَنْ إدْرَاكِهَا عَسِرَ حَدُّهَا، وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: عُسْرُ الْحَدِّ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِّ تَصَوُّرُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَصْلُ غَلَطِهِمْ أَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ مَا فِي الْأَذْهَانِ بِمَا فِي الْأَعْيَانِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ قَائِمَةٌ بِصُورَةِ الْإِنْسَانِ سَوَاءٌ طَابَقَ أَمْ لَا، وَلَيْسَ هُوَ تَابِعًا لِلْحَقَائِقِ فِي نَفْسِهَا.
تَنْبِيهَاتٌ [التَّنْبِيهُ] الْأَوَّلُ [الْقَصْدُ مِنْ الْحَدِّ] بَانَ مِمَّا سَبَقَ عَنْ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا أَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْحَدِّ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا قَالَ الْأَنْصَارِيُّ فِي " شَرْحِ الْإِرْشَادِ ": قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الْقَصْدُ مِنْ

1 / 132