البحر المحيط في أصول الفقه

بدر الدين الزركشي ت. 794 هجري
116

البحر المحيط في أصول الفقه

الناشر

دار الكتبي

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٤ هجري

مكان النشر

القاهرة

لَهُ بَصَرٌ بِلَا سِرَاجٍ لَا يَرَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ. فَصَرَّحَ بِمُخَالَفَةِ الْعَقْلِ الْعِلْمَ، وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ: الْعَقْلُ غَرِيزَةٌ. قَالَ الْقَاضِي: أَيْ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى ابْتِدَاءً وَلَيْسَ اكْتِسَابًا. قَالَ الْأُقْلِيشِيُّ: وَهَذِهِ الْغَرِيزَةُ لَيْسَتْ حَاصِلَةً لِلْبَهِيمَةِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ. وَاسْتَحْسَنَهُ الْإِمَامُ فِي " الْبُرْهَانِ " وَاعْتَقَدَهُ رَأْيًا. إذْ أَكْثَرُ الْأَشْعَرِيَّةِ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْبَهِيمَةِ فِي السَّجِيَّةِ، وَإِنَّمَا فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ، وَهِيَ الْعُلُومُ الْكَسْبِيَّةُ الَّتِي مَنْشَؤُهَا مِنْ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ. لَكِنَّهُ فِي " الشَّامِلِ " حَكَاهُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ لَا يَرْضَاهُ وَإِنَّهُ يَتَّهِمُ النَّقَلَةَ عَنْهُ فِيهِ، وَأَطَالَ فِي رَدِّهِ. وَصَارَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو الطَّيِّبِ، وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهُ بَعْضُ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ، فَخَرَجَتْ الْعُلُومُ الْكَسْبِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ يَتَّصِفُ بِكَوْنِهِ عَاقِلًا مَعَ عَدَمِ جَمِيعِ الْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: بَعْضُهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَمِيعُهَا لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْفَاقِدُ لِلْعِلْمِ بِالْمُدْرِكَاتِ، لِعَدَمِ الْإِدْرَاكِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا غَيْرَ عَاقِلٍ، فَثَبَتَ أَنَّهُ بَعْضُ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ، وَذَلِكَ نَحْوُ الْعِلْمِ بِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ، وَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَعْلُومَ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا أَوْ مَعْدُومًا وَأَنَّ الْمَوْجُودَ لَا يَخْلُو عَنْ الِاتِّصَافِ بِالْقِدَمِ أَوْ بِالْحُدُوثِ، وَالْعِلْمِ بِمَجَارِي الْعَادَاتِ الْمُدْرَكَاتِ بِالضَّرُورَةِ، كَمُوجِبِ الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ

1 / 118