[1/ب] بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
لما تم الجزء الأول من البهجة،ذيل تاريخ اليمن، وكان ذلك اتفاق دور كامل لثلاثين سنة، دخل الدور الذي بعده، فكان ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
صفحة ٢٩٤
دخلت سنة إحدى وثمانين وألف
كان استهلالها بالثلاثاء بالحساب، وبالرؤية الأربعاء، والشمس بالجوزاء في القيظ، وكان دخولها مباركا بالثمار، وتهون الأسعار، من بعد مضي الشدة الواقعة في هذه الأقطار، ثم حلها الله تعالى وذهب ما كان وسار، وإن بقى منه بواقي وتكرار.
صفحة ٢٩٥
واتفق غرة هذه السنة بشهر محرم منها، خروج طائفة الفرنج الملاعين، بعد قضاياهم مع العماني في هذه الأحايين، كما سبق ذكره، فلما فرغوا عن حربهم له، وهزيمتهم إياه إلى أرضه غفل عنهم، وتدير ببندر مسكت ، وهدأت فورته وقتاله لهم وسكت، كان منهم هذا الخروج إلى بندر المخا، والقصد لبابه من غير خفا، عقب دخول البضاعة الهندية على قلتها إليه[2/أ]، وشروع البيع والشراء فيه. وكان قد ظفروا في بابه، قبل الاتصال بجنابه، بثلاثة أغربة أحدها: خرج من بندر عدن إلى المخا لأحمد بن الحسن بحرا، وفيه دراهم وهدايا، والآخران: من عدن وجهته، فانتهبها الفرنج وحازوه، واستولوا عليه وقبضوه، والبعض منه حرقوه واستهلكوه، فلما كان الأمر كذلك، واتفق هذا هنالك، أمر صاحب المخا يومئذ الحسن بن المطهر الجرموزي بالمصانعة للفرنج والخطاب، وبذل الضيافة وتسكين الحالة حتى يتصل إليه جنود الغارة، والتحسس لأخبارهم وكثرتهم وقلتهم وعدتهم وحقيقة مقصدهم، فجاؤوه الرسول بالخبر عنهم، والسبب الحامل لهم فقالوا: موجب الوصول ما جرى مع أصحابهم العام الأول في باب المخا من القتال، وما راح عليهم من المال من أصحاب العماني، وعدم دفع صاحب المخا لذلك الفعل الصادر والجاري، وأنه كان به راضيا[2/ب] وعليه معينا، فبذل السيد الحسن لهم عوض ما راح مالا، وقال: ليس له فيه سعاية ولا قصدا، فأبوا إلا القتال، والاهتمام بالدخول إلى البندر والإحتمال، فأخذ منهم الصلح قدر ثمانية أيام عشرة أيام كل ذلك منه للإنتظار لوصول الغارات ، مما يقرب إليه من الجهات، فوصلت الغارات من زبيد ومن موزع ومن جحاف بعد أن كان قد انجفل أكثر أهل المخا، عنه بأموالهم، ومنهم من دفنها في التراب، خشية من الذهاب وسكن السيد الحسن من سكن من أهل المخا وقال: هذه الغارات واصلة فلا نخاف منهم إن شاء الله ولا نخشى. وكان جملتهم قدر سبع خشب ما بين برشة وغراب فيها الرجال، ومكاحل الرمي والمدافع والمال. والإمام لما وصل إليه خبرهم وقادمهم بادر إرسال ولده علي بن أمير المؤمنين في الحال بمن حضر عنده من عسكر الرجال جملتهم قدر خمسمائة، وساروا حيث الإنتقال، وكان وصول الغارات[3/أ] الأولة هي التي نفعت البندر من الصدمة، فلما كان سابع وصولهم أو سادسه قصد الفرنج المخا، وكان كل خشبة من خشبتهم فيها بيرق وعدة الحرب والضرب، ولعل جملتهم قدر ثلاثة آلاف؛ لأن الغراب تسع قدر مائتين وخمسين مع الأزواد والآلات، فأول عمل منهم قصدهم إلى قلعة فضلى التي مقابل للمخا من خارجه، وكان فيها جماعة من المسلمين رتبة فصابحهم جماعة من الفرنج خرجوا إلى الساحل فجرا، وركزوا السلاليم القنا، وصعدوا من أعلا، فهرب من القلعة بعضهم وثبت البعض لهم، فكان القتل في الدرب في المسلمين قتل منهم ثمانية، ووقع القتال بينهم، واشتد وحمي وطيسهم، ووصلت غارة المخا إليهم فانهزموا حينئذ، وقتل من الفرنج قدر عشرين نفسا حال الهزيمة ومن المسلمين الثمانية، وجنايات آخره. وكان جملة الخارجين من الفرنج إلى القلعة من الساحل قدر ثلاثمائة نفر وقيل أقل، وأكثرهم في البحر بغربانهم وبراشهم، وأخذ عسكر المسلمين بيرقهم الذي خرج معهم في البحر؛ لأن صاحبه قتل في باب الدرب[3/ب] وهزموهم إلى البحر، فدخلوا غربانهم وسنابقهم، واجتمعوا بأصحابهم، وأرسل بالبيرق الذي أخذ عليهم إلى صنعاء فركز في سوقها بأعلا سمسرة خان خليل. ثم كان اليوم الثاني من هذا الحادث المذكور، وزحفت الفرنج بأجمعهم إلى باب المخا، وشنوا عليه المدافع والزبارط من جميع براشهم، فكانت تقع في وسط المخا كالمطر الملقا، ولم تضر مع كثرتها أحدا غير رجل واحد هلك منها، وأخربوا بذلك الرمي جانبا من قصر المخا المطل على البحر بعد أن كان خرج عنه الجرموزي إلى جانب الأقصى وأخلاه عن السكون لكثرة الرمي المشنون، ثم رمى أهل المخا بالمدفع الكبير، فوقع في دقل البرشة معهم، ويقال: إنه راح منهم ثلاثة نفر وكان بسببه تأخرهم. وكان قد تقدم جماعة من الفرنج إلى داير المخا من جانب آخر يريدون إلقاء الحريق، ففطن بهم بعض المسلمين رموهم فردوهم على أعقابهم، وزال جميع حيلهم، ثم إنهم ساروا إلى باب المندب ، ثم عادوا إلى باب المخا، ثم ما زالوا كذلك في البحر يسيرون ويرجعون في البحر، ولم يقع قتال مدة أربعة أشهر، ثم ساروا وكل ذلك لأجل استخراج أهل المخا، واللحوق في البحر ليأخذوا منهم الغرض الأقصى[4/أ] لعلمهم بقلة أجسامهم في أعمال البحر وتصرفهم، فلم يخرج إليهم أحد في مدة لبثهم، فلما أيسوا عن ذلك عادوا راجعين بلادهم، وزال شرهم، ودخلوا بلادهم في شهر رجب منها.
وحصل للفرنج هذا العام هيجان في البحر عظيم، وسببه تحريك العماني لهم لما غزا بندرهم الديو العام الأول.
وفي العاشور من محرم وصل خبر الحاج بأنه كان العراقي هذا العام قويا زائدا على عادته، وكذلك الشامي، وأما المصري فعلى عادته. وحج بالناس الباشا حسن، واستقر بمكة بعد عزم المحامل شهرا ثم عاد جدة.
صفحة ٢٩٧
وأحمد بن الحسن لما بلغه أفعال الفرنج، وخطاطهم في البحر، ومضاررتهم، لم يقر به القرار بالغراس خشية على بندر عدن والمخا من صولتهم وضررهم، فجمع عساكره جميعا والوطاق، وسار إلى حضرة الإمام بضوران، وسار معه أيضا محمد بن الإمام من صنعاء. وطلب والده زيادة بلاده له، فزاد له الإمام بلاد حراز . وعلي بن الإمام وصل إلى عدن واستقر، لما بلغه هزيمة الفرنج، وهؤلاء فرنج الهند طوائف مختلفون، فمنهم إنجريز، ولونده، وبرتقال، وفرنصيص [4/ب]، والبرتقال هم الحاكمون عليهم، وسائرهم رعايا لهم.
وقد ذكر المسعودي في (مروج الذهب): أن فرنج الهند أصليون من قبل الإسلام، ساكنون في تلك البلاد، وذكر قطب الدين في تاريخ بني عثمان (الإعلام) و(البرق اليماني) أن طائفة الفرنج في الهند خرجوا القرن التاسع، وضربوا في سواحل اليمن.
قال: وكان خروجهم من وراء جبل القمر -بضم القاف- من خلف الحبشة بحرا استطرقوا من أصل بحر المغرب من بلادهم، ثم بحر الحبشة ثم بحر الهند إلى هذا المحل الذي سكنوه في الهند، ولهم قلعة في الهند تسمى كوة -بضم الكاف- هي محل أميرهم وسلطانهم، والجمع بين القولين: أن هؤلاء الذين خرجوا هم طائفة البرتقال الذين حكموا على فرنج الهند، وسائر طوائف فرنج الهند هم الأصليون، وقد صاروا الآن رعايا للبرتقال الذين خرجوا من فرنج المغرب، والله أعلم. وكلهم نصارى، وهم فرق ذات بينهم، وأحد طوائفهم[5/أ] تنكر أن عيسى ابن الله، والطائفة الأخرى تثبت ذلك، وهم على دينين.
صفحة ٢٩٨
وفي شهر صفر أو ربيع حال رجوع الفرنج من باب المندب اتفقوا بجماعة من تجار الحسا وعمان وغيرهم في مرسى بالروم ، ما بين الشحر وبين أحور ، فقصدوهم فهرب عسكر العماني، وكانوا في غراب قدر ثلاثمائة نفر إلى الساحل، وانكسر غرابهم، ودخلوا بروم، وكذلك أهل الحسا الذين معهم البضاعة من البن، وتركوا المركب في البحر، فوصل الفرنج إلى قربه فحرقوه جميعا. وعسكر العماني رموا إلى جهة الفرنج إلى البحرمن ساحل بروم، فما عرفوا هل أصابوا أحدا أم لا، وأصيب واحد من العمانيين برصاصة من الفرنج في ساحل بروم، ثم إن عسكر العماني بقوا كذلك حتى حصل لهم غراب آخر، بعد أن سار الفرنج ورجعوا بلادهم، والفرنج ذهبوا في البحر جهاتهم.
وفي صفرها لما استقر محمد بن أحمد بعيان طلب مشائخ برط إليه وذكر لهم من أجل الذين[5/ب] نهبوه في طريق صعدة بطريق العمشية العام الأول، فقالوا ذلك قد حصل، وتلاشى أمره وانفصل، وما هو باقي يعاد، وما قد استهلكوه فيسلم فيه العوض، فدخلوا في ذلك وسلموا من الغنم والبنادق بما قيمته قدر ألفين حرف وخمسمائة أو ثلاثة آلاف قيمة الجميع وسلموه إليه، وقالوا: النهب شاركهم فيه غيرهم، وهذا العوض جهدهم ، وعاد أحمد بن الحسن من ضوران هذه الأيام.
وفي شهر ربيع الأول ظهر نور عظيم في مسجد النهرين ، الذي في سائلة وادي صنعاء، لهبة خضراء داخل المسجد بقت من صبح ذلك اليوم الذي ظهرت فيه إلى العصر، والناس يتكحلون بالميل من ذلك، وأهل المكان يقولون: إن هذا المسجد فيه بركة.
[6/أ] وظهر في هذه المدة براهين وكرامات للشيخ فليح بن مفلح، الذي مقبور في طرف سعوان ، وعليه مسجد قديم ومنارة وبركة ومطاهر، وذكر أهل الجهة أنه قديم، وأن هذا المسجد كذلك قديم الأساس، وأنه مشهور البركة.
صفحة ٢٩٩
ولا تزال براهينه ظاهرة، وكان يقرب إليه قرية هي خراب الآن، فمنها هذا الزمان كما وصفه الواصف: أن رجلا أخذ من قضب له شيئا لغنم معه معلوفة، فهلكت أجمع، ومنها: أن رجلا من نهم سرق من كسوة تابوته شيئا، فأصبح يابسا مكفوتا، فأرجعها وتاب، ومنها أن جماعة خرجوا من صنعاء إلى مسجده فتمخلع واحد منهم ولعب جنب حوطته، ولم يأخذ أدبه، وطلع منارته أطل من موشق فيها، فالتم عليه الموشق، ولم يستطع لإخراج رأسه حتى استغفر. ومنها: أن رجلا ادهن بشيئ من السليط الموضوع للتسريج، فسقطت لحيته إلى يده، ومنها أن النساء دخلن المسجد زائرات، كانت واحدة حائض، فلما وصلت الباب لم تستطع الدخول، وجاء شيء ما منعها. ومنها: أن رجلين لم يأخذوا أدبهم في حوطته، وهم بجنب بركة الماء التي جنب مسجده، فلم يشعروا إلا وهم في الماء أحدهما فوق الآخر، لم يستطيعوا على الخروج، ولصق أحدهما على الآخر، لم ينفكوا حتى تابوا واستغفروا وتوسلوا ببركة الشيخ في إطلاقهم[6/ب]. ومنها أن رجلا نهب على راعي غنم للشيخ فليح، بنظر ولي مشهده رأسا من الغنم، بقي ثلاثة أيام، وجن السارق وأرجع الرأس الغنم على حاله. وإذا وصل أحد إلى باب المسجد وله اعتقاد بالشيخ انفتح له الباب، وإذا لم يعتقده لم ينفتح له الباب، هذا كله في هذا الوقت.
قال أهل البلد: وكم له من براهين لا تزال متكررة متواصلة، ومن أعظم ذلك أن المسجد لا يزال مفروشا بالبسط الرداعية والكسوة على تابوته في مكان قافر وخلاء وقرى سعوان عنه نائية، ويضع القيم الحب في مكان حوله يدخله كل أحد، ويضع جميع ما جاء له من النذور من دراهم وشمع وحب وغير ذلك في حوطته، ولا حارس لها، ولا يقدر أحد أن يمسها ولا يقربها، فهذا من أعظم الكرامات لهذا الشيخ.
صفحة ٣٠٠
قال الراوي: إنه قديم، ولم أجده أنا في تاريخ، بيد أنه روي لي أنه من قبل النبوة، وأنه كان من أصحاب عيسى بن مريم، والله أعلم. وبعد هذه الكرامات فإنها دالة على فضله. وفي اليمن أولياء ومشاهد لم تعرف في تاريخ ذكرها في هذه البلاد العليا، لعدم اعتناء الشيعة بذكر تاريخ الفضلاء كما يعتني أهل السنة بهم، فمنهم الشيخ مياس في طرف بلاد آنس إلى ما يلي بلاد عتمة وذاهب ، عليه مقام ومزار، ولم يعرف تاريخه في كتب التواريخ، ومنهم السيد الذي في السودة وآخرون مغمورون. ولكن نعلم أن الأولين ما وضعوا هذه الأساسات والأبنية والمساجد والمشاهد إلا وهم من الفضلاء نفعنا الله بالصالحين.
والباشا حسن حج مع الناس، وأراد تكون الحربه له دون سعد فلم يتم، فبقي بمكة إلى آخر شهر الحجة، وعاد جدة. وكان أرسل إلى فرحان بأنه يكون دخول مكة صفة حجاج، ويتركون الدخول [7/أ]بالسلاح والأرماح، فأجاب فرحان: أن الأمر للشريف سعد، إذ هو الوالي بمكة، والناس داخلون إلى بابه، وكان دخل إلى جدة بحرا ياقوت إسماعيل من أصحاب أحمد بن الحسن ومعه جماعة بسلاحهم، فانتهبه الباشا عليهم وقال: يدخلون مكة حجاجا، ثم إن ياقوت إسماعيل سار إلى حضرة الباشا وعرفه في ذلك فأطلق له السلاح.
صفحة ٣٠١
وفي صفرها وصل العولقي والواحدي إلى رداع، ثم إلى حضرة الإمام بضوران، وكان أحمد بن الحسن قد رجع عنه بعد جمعه لجنوده وجنود صنوه محمد بن الحسن هنالك، وأراد أن الإمام يعرف بما في وجهه من الناس، وما يتوجه لهم من الإيناس، ولما وصل الواحدي والعولقي إلى حضرة الإمام عرض عليهم القافلة التي راحت فأصلحوا فيها، ثم تناظروا فيما بينهم من القتول الجارية معهم في قبائلهم فتساقطوها، وزاد عند العولقي للواحدي قدر خمس وعشرين قتيلا، وكل هذه القتول التي حسبت لهم من بعد فتح المشرق ودخول أحمد بن الحسن إليه، فأما قبل فلم يجر فيها حساب[7/ب] لكثرتها فيما بينهم، وكان خروج العولقي من بلاده في عسكر كثير من قبائله فوق ألف نفر وبيارقه، فلما وصل طرف بلاد الرصاص منعه الشيخ صالح الرصاص وقال: ادخل بمائة نفر، فدخل كذلك.
وفي شهر ربيع وصل إلى الحضرة العالية رجل من الإمامية الإثني عشرية يتعرض للطلب، وجعل للإمام من شعره قصائد كثيرة على الحروف المعجمة، وخرج أيضا بصراوي يذكر أن له معرفة في أدوية البواسير يقال له: الشيخ يعقوب، فيحصل من الدواء هذا معه زوال ذلك، ولكنه يتعقبه من بعد الانتقاض وضعف البدن والعود، فلم يحصل منه كثير فائدة، وكان يرسم على الذي يداويه دراهم كثيرة قدر خمسة وعشرين قرشا وفوق، فمنهم من يبرأ، ومنهم من لا يحصل لدواه جدوى.
صفحة ٣٠٢
وفي ربيع الأول وصل شيخ برط من ذي محمد، قاسم بن علي ومعه قدر أربعين نفرا، والقاضي علي بن محمد العنسي معه، فوصلوا إلى حضرة أحمد بن الحسن الغراس، ثم ساروا إلى حضرة الإمام ومن معه من الناس، وسبب وصولهم أن محمد بن أحمد طلب منهم أنه سيقدم بلادهم، فأرادوا العذر عن ذلك، فصرفهم إلى الإمام، فأمرهم الإمام بأنه لا بد من دخولها ومشاهم وزلجهم من عنده على ذلك الكلام. وفي خلال وصولهم وعودهم تعرض جماعة من ذي حسين لطريق خيوان ، فصادفوا فيها سيدا وولده من حوث في الجبل الأسود فرموهما، فأصيب ولد السيد وسلم أبوه[8/أ] وهربوا، تعديا وظلما وتمردا وعنادا. ثم إن محمد بن أحمد تحرك حينئذ إلى بلد الخراب، رأس وادي المراشي ، وهي باب برط وطريقه، وأهل برط صاروا مختلفين فمنهم راضي بدخوله، ومنهم كاره، فمن الراضين: ذو محمد، قالوا: حيث قد رجح الإمام ذلك فعلى ما يراه، ولا خلاف.ثم تحرك أحمد بن الحسن من الغراس بجموع كثيرة بعسكره، وضم معهم من قدامهم من القبائل كنهم، ومن الجوف ، وجاءت طريقه الجوف، فلما بلغ برط جاؤوا إلى محمد بن أحمد واهتموا بالطلوع والنفوذ إلى بلادهم، وأرادوا بذلك أو تحصل الكفاية بدخوله عن حركة أحمد بن الحسن، وكتبوا إلى الإمام بأن محمد بن أحمد قد دخل البلاد حسبما أمر، وأحمد بن الحسن تقدم إليهم وجاءت طريقه بطن الجوف مشرقا، في بلاد قافرة ضعيفة شاقة، سار إلى معين ، ثم خرج منه إلى أبراد، وأخذ العسكر من [8/ب] أطراف مواشي بني نوف بعضا جزاء بما فعلوه العام الأول في الجوف، وخرج أحمد بن الحسن إلى وادي خب في بلاد بني نوف من دهمة ، واستقر في طرفه مما يلي برط قدر شهر، فحصل التضرر مع أصحابه فيه، لبعد القوافل والطعامات عن الوصول إليه وكثرة الناس، ثم طلع برط، فأول دخوله بلاد ذي حسين قهرا، واستقر في بلد رجوزة وسط بلاد ذي حسين، فبقى فيها أياما، وكان قد نالهم بهذه الطريقة مشقة وكثرة حيات وعسرة الطريق وكثرة الأشجار، حتى هلك بعض من هلك منها يقال: حرمة من جواري أحمد بن الحسن، وآخرون لدغتهم الحيات، ومات كثير من الخيل والقراش يقال: قدر سبعين حصانا فأكثر، ومحمد بن أحمد حال دخوله برط حصلت فرقة بين ذي محمد وذي حسين، وارتجام فيما بينهم.
ولما استقر أحمد بن الحسن ببرط بعد دخوله شق بأصحابه وجموعه، لضعف البلاد، وعدم ما يقوم بهم من الطعامات والزاد، تفرقوا وسار أكثرهم وعادوا، ولم يبق مع أحمد بن الحسن إلا خاصة أصحابه وعبيده، وأهل[9/أ] برط منهم من تشرق في المحطة، وصار اليأس معه ومن بقى عنده في الحاجة والضرورة، وعدم وجود الحبوب المجلوبة، حتى بلغ القدح قريب خمسة حروف وأربعة.
وفي هذه الأيام أخرب محمد بن أحمد بيتا كان في طرف بلد الأوساط التي سكنها؛ لأجل أنه كان مع برط مجمعا للفساد، وأصله بيت قري جمعة التركي أيام دخل برط، عمره أيام دخوله فيما سبق .
وفي هذه الأيام اعتنى صاحب المخا بعمارة القليع عند المخا وتصليحها وافتقادها؛ لأجل ما وقع من الفرنج وفسادها.
وفي خامس عشر شهر جمادى الأولى خسفت القمر، أكثر جرمها في برج الحمل، وغربت خاسفة.
وفي هذا الشهر مات محمد كاشف ببرط حضرة أحمد بن الحسن، وهذا المذكور كان أول رياسته مع شرف الإسلام الحسن بن الإمام آخر أيامه، ثم ولده أحمد إلى أن مات في التاريخ المذكور، وكان متوليا في المدة السابقة بأصاب ، وهو ممن خرج مع أحمد بن الحسن في الحوادث تلك المدة السابقة، في مدة الإمام المؤيد بالله، ثم عزله أحمد بن الحسن، ولم يترك رعايته، وكان شافعيا في مذهبه، رأيت بخطه في بعض كتبه يقول محمد كاشف الشافعي مذهبا، الشيعي [9/ب] معتقدا.
صفحة ٣٠٤
وفي يوم السبت ثالث عشر شهر جمادى الأولى مات السيد العارف علي بن يحيى بن أحمد بن المنتظر الغرباني بظفير حجة ، كان هذا السيد في عشر الثمانين، وكان قد اختلط عقله آخر عمره، وقبيل وفاته سنة موته. انتقل جده المنتظر إلى ظفير حجة في مدة الإمام شرف الدين ، وأصلهم من غربان ، وله في تلك الجهة مال ودار. وقد تولى القضاء برهة أيام في مدة الإمام المؤيد بالله، ثم ترك لحدة طبعه، وحرة مزاجه، وأخرجه أهل الظفير في بعض الأيام إلى حجة ، ثم رجع وعاد وانعزل في بيته وماله.
وفي هذه الأيام وصل خواجا تركي بهدية للإمام، وهو وطاق من جهة بلاد الحبشة، وسكن بحضرته قدر شهر تام، وزلجه الإمام، وأعطاه قياس ثمن وطاقه وزيادة في الإنعام، فمر صنعاء، وحضر جمعتها، فقال: ليش ما يذكر الصحابة خطيبها.
وفيها ظهر رجل قيل: أنه يدعي أنه شريف، وإذا سئل ما إسمه؟ قال: عبد الله، وأصله فقيه قيل: من بني الخيشني، كان قباضا مع أحمد بن الحسن في بعض البلاد، كان قد قرأ على حي القاضي حسن الحيمي بعض قراءة، لم يحصل له فيها فائدة. وكان له[10/أ] صناعة في كتب الإنشاء، فظن من لم يكن له معرفة أن عنده علما، ولما وصل إلى بلاد كحلان وحجة حصل له من الناس الضيافات والإحسان، ثم إن صاحب حجة محمد بن حسين بن جحاف استماله إلى الوصول إليه، فوصل، فباحثوه فلم يجدوا عنده في العلم معرفة، وأدب بعض أهل بلاده عن ما فعلوه إليه من الإكرام والضيفة ونهاهم عن ذلك وزلجه، وأمره بعدم البقاء في بلاده، ثم أنه ركب البحر وصار إلى حضرة حسن باشا ولازمه، ثم بعد ذلك سار إلى جبل الطائف واستقر فيه هذه المدة.
صفحة ٣٠٥
وفي نصف جمادى الأولى لما تمت أعمال دخول برط، وكان علي بن أحمد صاحب صعدة قد استقر في بلاد أملح عاد إلى صعدة، لما بلغه أن أحمد بن الحسن وصنوه محمد بن أحمد يريدون دخول صعدة، لما يحتاجون من التأهب للوصلة وكراهته دخولهم في البطنة ، ثم إن الإمام ذكر لأحمد بن الحسن ومحمد بن أحمد بالعود، وعدم دخول مدينة صعدة، والطرق التي كان تدخل برط الملوك السابقون من جهات صعدة؛ لأنها سهلة لا يخشى فيها حوزة، ولا يوجد فيها عقبة ولا تعب ولا معرة [10/ب]، بخلاف طريق وادي النيل والمراشي التي تخرج من عيان ، فإنها مرافض وعقيب وملاوي غير صالحة لدخول الجنود، لما يخشى فيها من الخديعة عند التلاقي في الحدود. وقد دخل برط كثير من الأولين في زمان العباسية، وفي زمان الهادي دخله بنفسه، والإمام شرف الدين، وقرى جمعة في مدة سنان باشا هؤلاء دخلوه جميعا عنوة، ودخله صلحا الإمام أحمد بن سليمان والمنصور .
ومات على أحمد بن الحسن لما جاء هذه الطريق الشاقة -طريق المشرق- قريب سبعين حصان من الجوع والضمأ وعسرة الطريق والحفا.
وأحمد بن الحسن لما بنى على الحركة والارتحال قال لأهل برط: السيد محمد بن علي الغرباني النظر في أمره، فقال برط: هو جارهم، وعليهم الدرك لا يحصل شيء من جانبه ما دام عندهم، ولا يرضون أن يحصل من جهته ما فيه محق ولا أحد من قبائلهم يجيبه ما دام ساكنا وعليهم حفظه، فقال أحمد بن الحسن: لا بد من ضمانات[11/أ] من كباركم على صغاركم في هذا الأمر، وعدم حصول الخلل، فدخلوا في الضمانة وضمنوا بعضهم على بعض وقالوا: هذه أمانة ولا يجري منا لما يخالف ذلك خيانة. وأنشأ بعد ذلك السيد محمد الغرباني قصيدة وجهها إلى والده بصنعاء، وذكر في ضمنها إليه على من يعرفه بها بعد أن بالغ في مدح أبيه بالعبادة والزهادة، ثم ذكر عند ذلك قوله:
صفحة ٣٠٦
صلاة الإله ورضوانه
عليه نوافحها تنفح
وقد جرت عادة أهل الوقت من أهل الزمان التصلية على غير النبي عليه الصلاة والسلام، كما ابتدعه خطيب صنعاء محمد بن إبراهيم السحولي في خطبه، بعد أن لم يكن ذلك معروفا لأحد من قبله، وقد عرف العلماء أن الصلاة تختص سيد الأنبياء لا غيره من سائر الناس، إلا على وجه التبع من الآل بعد ذكره صلى الله عليه وسلم، فأما على الإنفراد فلم يقل به أحد من العباد، وإنما يقول بذلك الرافضة.
من قصيدته هذه بعد أن خرج من مدح والده والتوجيه إليه ذيلها بقوله:
وعج ببني القاسم الأكرمين
ومن لهم في العلا أودج
واتحفهم شريف السلام
وعاتبهم إن هم عرجوا[11/ب]
وقل ما لكم يا بحور الحجى
أتيتم بشيء بكم يسمج
جنودكم أقبلت
إلى رجل واحد مزعج
وليس ثروة ولا ولد
ولا أوس ولا خزرج
ولم يأتكم منه ما تكرهون
سوى أنه قال ذا المدرج
وما قال إني إمام ولا ال
إمامة عنكم لها مخرج
ولكنه قال إن كان ما
ذكرت هو المنهج الأوهج
فحي إليه إذا شئتم
والإ فما شئتم فانهجوا
وردوا علي إذا شئتم
صفحة ٣٠٧
مقالي إن كان مستسمج وهذه القصيدة هي من البلاغة بمراحل بعيدة، كما لا يخفى على أهل البصيرة، مع ما فيه من اللحن في قوله: (سوى أنه قال ذا المدرج) برفع القافية مع عدم الضرورة، فإنه كان يمكنه رفعه على وجه لا يكون العامل ناصبا له، وكذلك بعده البيت الآخر، ثم أوعد بعد ذلك بالفتن، وأن الدهر لا يؤتمن، وقد أشار بما ذكر هو ما اعترضه على الإمام وولاته وسيرته، وأكثرها غير قادحة، إذ من لازم الداخل فيها الجري عليها كما ذلك معروف لأحوال الأئمة، ممن مضى وخلف في هذه الأمة، وسواء كان هو متوليها أو غيره من أدانيها وأقاصيها، والسعي في جميع الأمور لصلاح المسلمين، لا للتفريق بين المؤمنين، فقد علم ما في الاجتماع من الخيرات وما في التفرق من المحق والشتات، والله يجمع المسلمين على الخيرات والبركات، وقد قال تعالى: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } وقد ظهر من قصيدة السيد محمد المشار إليها استحلال الخروج على هذه الدولة، وأنه إنما سكن لعدم القدرة [12/أ]. وقد كان أرسل السيد محمد الغرباني في هذه المدة قبل دخوله برط برسالة إلى أحمد بن الحسن أو بعض أصحابه فيها مطاعن كثيرة في تكثير الجوار معه، ويجعلهن أمهات أولاد، وأنه تهور في تكثير الجوار، واتباعه للهوى فيهن والمبالغة في محاسنهن، ومتى كبرت الأولى بذلها وأخذ أخرى غيرها، وما زال في كل سنة بل كل شهر له سرية، وصار يتخيرهن ويستبدل بهن ويلبسهن الملابس الفاخرة، حتى لا يزال يبلغن أربعمائة خمسائة، ثم يخرج هذه ويخرج هذه، وهذا شيء لم يعرف بغيره من الماضيين ولا من غيرهم من السلاطين.
وخرج أحمد بن الحسن من برط ومحمد بن أحمد في غرة جمادى الآخرة منها، فكان سكون محمد بن أحمد ببرط قدر شهرين ونصف، وأحمد بن الحسن شهر وعشرة أيام، وجاءت طريق أحمد بن الحسن الزاهر ، ثم خرج الخارد والغراس، ومحمد بن أحمد جاءت طريقه خمر .
صفحة ٣٠٨
وفي هذا الشهر لما ولي الإمام بلاد الضحي ومور وخرجت عن ولاية النقيب سعيد المجزبي فسح لبعض عسكره، واستبقى بعضهم عنده، وسكن في كمران محله، وولده باللحية لبعض الأعمال، وقد معه في النفس بعض انكسار.
وفي هذه الأيام طرد الحضارم الرسول الذي أرسله حسين بن حسن متوليا، وردوه راجعا ومن معه، وقيل: إنه قتل من أصحابه رجلان أو رجل، فلما كان كذلك قال الإمام: الصواب ولاية الشيخ علي الكثيري ، وكان يومئذ عنده [12/ب] فجهزه إليها، ونظر أن تعبها أكثر مما يأتي من مصلحتها.
وفي يوم الجمعة ثاني وعشرين شهر رجب حصل قران المريخ وزحل ببرج الحوت.
وفي هذه الأيام ترجح لرجل، وهو أبو مؤذن مسجد الأبهر بصنعاء، أصله من سيان سنحان أن وجأ بطنه بالسكين، وقد كان في عشر السبعين، وولده اسمه الفقيه صالح السياني، بعد أن كان أولا شرع بذبح نفسه بيده، وسببه أن زوجة ولده وولده ما زالوا يخاصمونه ويستثقلونه ويتمنون موته وهلاكه، لأجل بخلهم بنفقته، والقيام بحاله، فغضب المذكور على نفسه، فختم له بأشر خاتمة، نعوذ بالله من ذلك، وإلا فكان أرض الله واسعة، وأرزاقه شاملة، ولا بد من نصيب عند غيرهم وسواهم.
وفي هذه الأيام أمر الإمام بأنه لا يرجع من الدراهم إلا ما هو أحمر، فأما (المقصوص) فماض.
وفي هذه الأيام غزا الشيخ الجيد إلى أطراف بلاد دثينة ، فقتلوا نفرين من عسكر حسين بن الحسن.
صفحة ٣٠٩
وفي هذه [13/أ]الأيام جاء خبر أن سيواجي رئيس الرازبوت ببلاد الهند من المجوس عضد بعض أقارب السلطان الهندي سلطان الإسلام، وغزا، الجميع بندر سرات فانتهبوه جميعا، وأظهروا الخلاف على سلطان الإسلام، وهذا البندر هو أقرب البنادر في سمك البحر إلى بنادر اليمن، المسافة مع صلاح الريح قدر عشرين يوما ما بينه وبين عدن، ومنه إلى محل سلطان الهند قدر شهريين برا.
وفي رمضان آخر الشتاء حصل مطر الربيع بأكثر اليمن.
وفي هذه الأيام جاء الخبر أن سيواجي اصطلح هو وسلطان الإسلام بالهند، وسكن خلافه، وأن الهند فيه خير كثير، وصلاح واسع ومطر غزير.
وفي هذه الأيام وقع في جهات البحرين في حدود البحر الفارسي فتنة، قيل: من الفرنج الهند خالفوا وانتهبوا البندر، وقيل: من جهة الفرنج انتهبوا أشياء في البحر قربة، ولعل الخبر الأول أصح.
وفي غرة شوال خرج جماعة حجاج من العجم من بندر كنج إلى المخا وأخبروا أن الفرنج يخشى منهم [13/ب] فإنهم مروا والعماني متحرز على أطراف بلاده منهم.
وفي هذه السنة تسلط مارد في بعض بيوت صنعاء يقال: بيت السيد أحمد التاجر ، وكان يؤذيهم ويحمل عليهم بعض مفاتيحهم ويردها قال: فطلبوا منه مرة طعاما من طعام الزلابيا. قال الراوي: فلم يشعروا إلا وهو بين أيديهم، فأكلوا منه.
وفي شهر الحجة سعرت أسواق مدينة صنعاء في المكاسير، ومن قبل لم يعرف تسعير الدولة بل بالتراضي، فحصل بسبب ذلك ركة مع الكسارين في البيع والشراء، بحيث ترك بعضهم ذلك الابتغاء، وغلق الحانوت ومضى، ومنهم من صبر على ما به من البلوى.
وفي حادي عشر القعدة كان تحويل السنة الرومية، فكان عند دخول الشمس أول درجة الحمل، والمريخ في الثور، وزحل بالحوت، والمشتري بالأسد،والشمس والزهرة وعطارد بالحمل، والجوزهر الذنب بآخر درجة من الميزان، ثم تدخل السنبلة.
صفحة ٣١٠
وفي هذه الأيام وصلت من صاحب عمان إلى المخا رصاص قدر ألفي رطل معونة لحرب الفرنج إذا خرج أحد منهم في السواحل، كل ذلك منه لأنهم خصومه، وكثرة ما جرى بينه وبينهم من الحروب.
وفي هذا العام حصل مطر الصيف واستمر إلى شهر محرم وصلحت الأرض.
وفيها مات الشيخ العارف الصوفي محمد بن الشيخ طاهر بن بحر ببلدة المنصورية بتهامة، وكان على طريقة والده الشيخ طاهر بن بحر في إكرام الضيف والثروة، وخلف ولده عبد الباري[14/أ].
وفيها مات الشيخ السيد إسماعيل بن إبراهيم الحضرمي ببلدة لكمة بن سليم، ما بين الحيمة وحراز وكان ساكنا فيها من مدة مع ضعف هواها ووباها، وكان مكرما للضيف، ما أحد يمر إلا وأغاثه؛ لأنه على طريق حراز، وكان كثير النذور من القبائل، وما دخل يده أنفقه رحمه الله، واتفق مع رجل أنه لما عبر الطريق وهذه البلد صادف بعض جواري الشيخ تغرف الماء من المورد فكأنه راودها عن نفسها، فبلغ الشيخ، فدعا عليه، فجن في الحال والوقت وتغير عقله، وبقي كذلك برهة من الأيام مكبلا بالحديد، ثم إنه عكب أيضا بعد ذلك ثم لم يلبث أن مات.
صفحة ٣١١
ودخلت سنة اثنتين وثمانين وألف
استهلت بالأحد بالرؤية، وحصل قران المريخ بالزهرة، في نصف محرمها بأول برج السرطان.
صفحة ٣١٢
وفي مدخل يومين أو ثلاث وصل الخبر إلى صنعاء من طريق السراة أنه وقع بمنى عند جمرة [14/ب]العقبة واقعة عظيمة، وذلك أن اثنين قيل: أحدهما من هذيل وآخر من أصحاب الشريف رميا الباشا حسن، قيل: ذلك بأمر الشريف سعد وهو أنكره، فرميا الباشا حسن وكان غافلا ساكنا حال رمي جمرة العقبة من رأس اللكمة التي جنوبي الجمرة يقعد فيها أهل اليمن للفرجة على الناس حال الرمي للجمار، رمياه في حالة واحدة برصاصتين أصابته إحداهما في فخذه ونفذت إلى حصانه فسقط في الحال،، والتفت أصحابه الحاضرون عنده للضرب بسيوفهم فيمن عندهم، فقتلوا في الحال قدر ثلاثين نفسا، وانهزم الناس وهربوا، وحصلت فيهم صولة شديدة وحالة كبيرة،ومنهم من زال عقله لحصول ذلك الحادث على حين غفلة، وقتلوا من كان في المقهاية التي تجعل عند جمرة العقبة تحت هذه اللكمة، ومن جملتهم مقهوي من صنعاء كان فيها. وكان هؤلاء القتلى مجموعين حجاج وفقراء، فالذي عرف منهم من اليمن المقهوي المذكور، وآخر من بلاد عتمة، وآخر من بلاد رداع، والآخرون من حفاش [15/أ]، ثم من سائر الأرض، وحصل النهب في أطراف منى، والشريف كان في محطته يومئذ، فجاءه الخبر أن الباشا قد قتل، فركب وركب أصحابه ودرع وخوذ. فلما قرب منهم رأى القتال واقعا والضرب بالسيوف لامعا، قهقر ورجع إلى محله، وضم من عنده، وفي محطته. والباشا أدخله أصحابه التختروان وتقدموا إلى مكة بالعساكر والركبان، فدخلوها في النفر الأول وسكنوها، والشريف دخل بعد ذلك وحده، وأمر أصحابه وجنده قبله. واختلفت الأخبار في شأن الباشا حسن، فمنهم من قال: قتل ومات في الحال، ومنهم من قال: إنما اصتاب فقط وسلم وهو الأكثر، والأخبار بعدبه أشهر. ومن الحجاج الذي شهد هذه الوقعة وسلم بعد أن كان رأى نزيف السيوف، والأمر المسلم وصل إلى اليمن وعاد بعد حجه، وقد تغير عقله، وما زال يهذي في نومه ويقظته بالسيف السيف، حتى لم يلبث أن مرض ومات بعد عوده. وهذا الأمر الذي جرى في حرم الله وأمنه ما كان[15/ب] يحسن فعله والله يقول: {ومن دخله كان آمنا } ولا سيما في هذه الأيام الشريفة، والمواقف المباركة، والأيام المعلومة على تلك الحال والصفة، ولا سيما ما كان سبب ذلك من قتل هذه النفوس، في ذلك المحل المأنوس. وكانت هذه الواقعة يوم الأربعاء وقت الظهر النفر الأول، إذ كان عرفة هناك يوم الأحد والعيد يوم الإثنين. وكان الباشا ما تم الرمي للجمرة، وإنما كان رمى ثلاث حصى، فلما اجتمع الناس بمكة حصل الخوف والحذر من ثائرة الفتن، وبطل أكثر البيع والشراء والأسباب، لعدم الأمن على الأنفس والأموال، حتى ينفصل أمر ذلك الحال، مع أن هذي الفعال لا يبعد أن تكون سببا لتحريك السلطان وإيقاظ الفتنة وهي نائمة، ولله قول الشاعر:
أمور يضحك الجهال منها
صفحة ٣١٣
ويبكي من عواقبها الحليم وقال الأول: من لم يفكر في العواقب فما الدهر له بصاحب، ومن أراد عظيما خاطر بنفسه وماله، وقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: ((الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها ))، ولكن إذا جاء القدر عمى البصر. ومن الناس من قال: إن الشريف قال: إن الباشا حسن ظهر له بالإمارات أنه كان يريد بعد دخول مكة القبض[16/أ] عليه وإزالة ملكه وأمره ونهيه، وصرف الأمور إليه، والله أعلم، وتأخر الحجاج الذين يصلون من البحر، ولم يصل من الحجاج في هذه الأيام إلا أهل السراة فقط، وسببه عدم التمكن للسفر من مكة إلى جدة للخوف، ثم وصل أهل البحر عقب ذلك. وأخبروا أن بعد ثامن عشر شهر الحجة الحرام اجتمع حجاج اليمن الذين بمكة ودخلوا إلى الشريف سعد يشكون التضرر بالنفقات، وأنهم يريدون السفر فوعدهم بالجواب ثاني النهار، ثم إن الشريف طلب أمير حاج الشامي وجلس هو وإياه في الخلوى، ثم إنه خرج من عنده وسار إلى بيت الباشا حسن، ثم تعقب اليوم الآخر وأمر الناس بالنفير، وفي صحبتهم من قبل الباشا حسن آغا ومن قبل الشريف آغا، وعسكر وساروا إلى جدة، وسكن الآغا بمحل الباشا والذي من قبل الشريف بمحل آخر، ثم إن الباشا بعد هذا الأمر خرج مع أمير الشامي في التختروان وظهر للأشراف أنه عازم بلاده، وراجع إلى حضرة السلطان [16/ب] واعتاده، فلما وصل الباشا إلى المدينة النبوية دخلها وسكنها واستقر بمن معه فيها، وقال لا ينفصل عنها حتى يصل جواب السلطان، فاستقر الأمر كذلك هذا العام جميعه. وخرج له من مصر مادة استدعاها خشية من سعد لا يتعرض ويقصد بجموعه إليها، فخرجت الزيادة والإمداد، وقوي جأشه بذلك وبما خرج من الطعام والإعداد، والشريف بقي بمكة على حاله.
واتفق قران المشتري والزهرة في برج الأسد والزهرة كثيرة القران لسرعة سيرها.
وفي هذا الشهر ولدت امرأة للحوتره من أهل شعوب عجلا فبقي قدر يومين ومات.
صفحة ٣١٤
وقد كان بعض جيش سعد خرج من مكة إلى جهة المدينة يقال: رئيسهم حمود، فلما وصلوا بدر بلغهم خروج زيادة من مصر، فلم يبلغوا إلى المدينة، قيل رجعوا إلى مكة. وأخبر الحجاج بصلاح الحجاز ونجد جميعا وتهون الأسعار بمكة والأعلاف بعد تلك الشدة، وأن الخير متصل من مكة والمدينة إلى صبيا .
وفي شهر ربيع الآخر طلع علي بن الإمام إلى حضرة والده الإمام.
وفي هذا الشهر اتفق أن السيد جعفر بن مطهر الجرموزي متولي العدين هرب بعض أصحابه إلى مشهد الشيخ [16/ب] صلاح، فأمر السيد بإخراجه من الحوزة فلم يساعده أحد فسار بنفسه وأخرجه.
قال الراوي: فخرج عليه جيش عظيم في مجلسه ومكانه، وما زال يراه في كثير من أوقاته فسار إلى المذيخرة ، فلم يشعر إلا بذلك الجيش أطل عليه من باب مكانه، فصاح وحصل معه بعض طيش ووحشة.
وكان السيد جعفر قد تقبل بلاد العدين هذا العام بقبال كثير يقال: كل شهر ستة آلاف، فجار على الناس بسبب القطفة والقبال.
وانتهب هذه الأيام قافلة خرجت من جدة إلى عند الباشا حسن مجموعة طعام ورصاص، مع أنه صار يخرج السياق إليه من مصر بحرا إلى ينبع ، ثم يصل إليه.
وروى لي بعض أهل مكة يسمى لطف الله يقول: إن الشريف ادعى أن الباشا حسن ما أظهر مرسوم التولية، وأنه حضر مجمعه أول وفوده، وطالبه في المرسوم يحضر إلى هنالك ومشائخ الحرم فلم يظهره قال: ولو أظهره سلم له الأمر.
قال المذكور: وكان قد ظهر للشريف وأهل مكة أن الباشا حسن باقي في تلك السنة القبض على الشريف سعد بالقهر، ولذلك دخل من جدة بقوة العسكر والمدفع وإظهار الأمر، وأمر الخطيب برفع ذكر سعد، وأظهر الأمر جميعه له، وما يفعل ذلك إلا بأمر السلطان.
صفحة ٣١٥