ما بين مبسوط ومختصر، واعتنوا بشروح الأحاديث عناية فائقة، وقاموا بحفظ متونها واستنباط الأحكام والقواعد من نصوصها، فكثرت الشروح على الكتاب الواحد ما بين مختصر ومطول، واعتنى متأخرو علماء الحديث بالاختصار تبعًا لتقاصر الهمم وضعف المدارك.
ومن أجَلِّ ما أُلف في جمع أدلة الأحكام مع الاختصار كتاب "بلوغ المرام" للعلامة الحافظ، ابن حجر العسقلاني، الذي صار عمدة المتأخرين، يعتنون بحفظه والمذاكرة في أحاديثه، وكان الحافظ قد بالغ في اختصار الكلام عن الأحاديث، فيأتي بخلاصة ما يرى عن الحديث صحة وتحسينًا أو ضعفًا، فكان هذا الكتاب الحائز للدرجة العالية من حسن الجمع وحسن الاختصار يحتاج إلى شرح يستغني به قارئه عن مراجعات مطولات الشروح وكتب اللغة والأحكام، وكان أول من وصل إلينا شرحه لهذا الكتاب العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني صاحب الكتب النافعة البديعة، فوضع كتابه "سبل السَّلام" وتداولته الأيدي، وتناقله طلحة العلم، ونهلوا من فيض معارفه، فقَلَّ أن تجد مكتبة خالية منه، وبه ذاع وانتشر حيث أصله كتاب "البدر التمام شرح بلوغ المرام" لمؤلفه العلامة القاضي الحسين بن محمد المغربي اليماني من مغرب اليمن. وكان طالب العلم يتطلع إلى رؤية أصل سبل السَّلام، ويتمنى مطالعة هذا الشرح، وقد أعجب بالفرع الذي هو "سبل السَّلام"، غير أن ضخامة كتاب "البدر التمام" قد عاقت عن الحصول عليه وانتشاره بين النَّاس رغم الحاجة إلى تداوله.
ولما صارت الجامعات الإسلامية في هذه البلاد السعودية تشجع أهل العلم وتحثهم على بعث نوادر الكتب من مراقدها، وإخراجها من غياهب سجونها، وتسهيل سبل الاستفادة منها، قوى الرجاء ودبَّ في النفوس الأمل بأن يتوالى نفض الغبار عن مكنونات تراثنا المجيد وإخراج كنوزه؛
المقدمة / 6