قوله تعالى: [ ]{وينهى عن الفحشاء} أي: الكبائر من المعاصي {والمنكر} ما أنكره العقل والسمع جميعا أو السمع وحده من قول أو فعل {والبغي} أي: وينهى تعالى عن البغي وهو تجاوز الحدود في الأقوال والأفعال والاعتقاد؛ فالبغي على الله تعالى تعدي حدوده تعالى إفراطا أو تفريطا، والبغي على الملائكة -عليهم السلام- سبهم وجعلهم إناثا، والبغي على الأنبياء -عليهم السلام- سبهم وتخوينهم ومحاربتهم والاستخفاف بهم وذلك كله كفر، والإفراط في حق الله تعالى قد يكون كفر إلزام كغلو المعتزلة من جمعهم بين النقيضين ونفيهما لهما من قولهم صفات الله تعالى لا هي هي ولا هي غيره ولا قديمة ولا محدثة في نفيهما، والتفريط قد يكون كفرا كتفريط العوام الذين لا يتفكرون بعقولهم في مصنوعات الله تعالى رأسا، ويظهر الكفر كالتجسيم والتشبيه من أفواههم وأن لا تظهر خصال الكفر منهم فالظاهر الإسلام كالمجبرة والمشبهة وغير ذلك من عقائد الفرق الضالة، والبغي على الأئمة العادلين من أهل البيت عليهم السلام سبهم ومحاربتهم واستحلاله كفر وغيره فسق، والبغي على المؤمنين والمؤمنات قطع موالاتهم وترك نصرتهم وترك تعظيمهم والاستخفاف بهم فإن كان لأجل إيمانهم فكفر وإلا ففسق، وكذلك إذا كان ذلك استحلالا فكفر أيضا ولو مؤمنا أو مؤمنة في الاستحلال أو لأجل إيمانه، وإن كان غير ذلك فإن كان مجمعا عليه إجماعا قوليا للعترة عليهم السلام [6أ] أو الأمة فيهم إجماع العترة ففسق وإلا فنقص عدالة ففي ذلك كله اتباع لغير سبيل المؤمنين؛ لأن سبيلهم هو الإيمان بكل ما جاء من عند الله تعالى وترك البغي على الله تعالى وعلى أهل الإيمان فمن فعل ذلك فقد اتبع غير سبيلهم؛ فإذا كان ذلك بعد المعرفة بالهدى الذي هو الحق فهو مشاقق لله تعالى ولرسوله وفي ذلك يقول الله تعالى:[ ] {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} يوله ما تولى أي: يحكم له بحكم الخصلة التي تولاها فيلحق حكمها من كفران كانت تقتضيه أو فسق إن كانت توجبه، ثم قال الله تعالى متوعدا: [ ] {ونصله جهنم وساءت مصيرا} والبغي على المؤمنين بسبهم وإهانتهم وترك نصيحتهم بما يجب لهم من البغي بهم إلى من يعاقبهم من الولاة بغير حق، ولكل شيء من ذلك موضعه من كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم.
قوله تعالى: [ ]{ يعظكم} أي: الله تعالى يذكركم سننه وفروضه عليكم {لعلكم تذكرون} ما أمركم به ونهاكم عنه فترجعون إلى ذلكم فتعرفون أن المصلحة لكم في ذلك، وأن شكر المنعم واجب .
فصل [ ]
صفحة ٢١