أما العقل فإن إيصال الآلام إلى أهل الأرواح بغير عوض ولا استحقاق ولا دفع ضرر ولا جلب نفع قبيح عقلا، والله تعالى لا يفعل القبيح لأنه تعالى عالم بقبحه غني عن فعله عالم باستغنائه عنه، ومن كان كذلك من العقلاء فإنه لا يفعل القبيح وما يذمه جميع العقلاء إذا كان بهذه المثابة فضلا عن الله تعالى الذي قد ثبت عند جميع العقلاء بما ركب الله تعالى فيهم من العقل، وبالأدلة القاطعة أن أفعاله تعالى جارية منه تعالى على أحسن الأحوال وأرجحها، فلا يفعل تعالى المباح الذي لا فرق بين فعله وتركه -أي: لا حكمة في إيجاده- فكيف يقال أن الله تعالى يفعل القبيح أو المكروه تعالى ربنا عن قول أهل الزور والبهتان والكفران علوا كبيرا، فثبت أن الله تعالى يبعث العالم للجزاء والأعواض التي لا يجوز الإخلال بها من جهة الحكمة العقلية والسمعية، وذلك لأن: الموت منسي كل نعمة ومتمم كل نقمة فلا عوض فيه ولا ثواب على الصبر عليه إلا في الآخرة، فلو لم يبعث الله تعالى للجزاء عليه لكان الإيلام به من لا يستحق الإيلام قبيحا، والله يتعالى عن فعل القبيح بل هو غني حميد، وكذلك فإن التخلية بين الظالم والمظلوم في الدنيا لم يتيقن المناصفة فيها إلا في الآخرة، فلا بد من البعث لأجل ذلك وإلا لكان إهمالها قبحا والله تعالى لا يفعله.
صفحة ١٢