من ليس يقعده عن سؤددٍ قدم ... ولا تقوم له في سوءة ساق
وروى أيضًا
قال: دخل صاعد اللغوي على بعض أصحابه في مجلس شراب، فملأ الساقي قدحًا من إبريق، فتكونت قطرة من الراح في فم الإبريق ووقفت ولم تبرح، فاقترح عليه الحاضرون وصف ذلك، فقال بديهًا:
وقهوةٍ من فم الإبريق صافيةٍ ... كدمع مفجوعةٍ بالإلف معبار
كأن إبريقنا والراح في فمه ... طير تزقق ياقوتًا بمنقار
وقد أخذه من قول الشريف أبي البركات علي بن الحسن العلوي:
كأن ريح الروض لما أتت ... فتت علينا مسك عطار
كأنما إبريقنا طائر ... يحمل ياقوتًا بمنقار
وذكر ابن بسام أيضًا
أن أبا عامر بن شهيد حضر ليلةً عند الحاجب بن أبي عامر المظفر بن المنصور بن أبي عامر بقرطبة، فقامت تسقيهم وصيفة صغيرة ظريفة الخلق، ولم تزل تسهر في خدمتهم إلى أن هم جند الليل بالانهزام، وأخذ في تقويض خيام الظلام، وكانت تسمى أسيماء، فعجب الحاضرون من مكابدتها السهر طول ليلها على صغر سنها، فسأله المظفر وصفها، فصنع ارتجالا:
أفدي أسيماء من نديمٍ ... ملازم للكئوس راتب
قد عجبوا في السهاد منها ... وهي لعمري من العجائب
كيف تجافى الرقاد عنها ... فقلت لاترقد الكواكب
وذكر ابن بسام أيضًا
أنه كان يومًا مع جماعة من الأدباء عند القاضي ابن ذكوان، فجئ بباكورة باقلاء، فقال ابن ذكوان: لا ينفرد بها إلا من وصفها، فقال ابن شهيد: أنا لهما، وارتجل:
إن لآليك أحدثت صلفًا ... فاتخذت من زمردٍ صدفا
تسكن ضراتها البحور وذي ... تسكن للحسن روضةً أنفا
هامت بلحف الجبال فاتخذت ... من سندسٍ في جنانها لحفا
شبهتها بالثغور في لطفٍ ... حسبك هذا من زمر من لطفا
حاز ابن ذكوان في مكارمه ... حدود كعبٍ وما به وصفا
قدم در الرياض منتخبًا ... منه لأفراس مدحه علفا
أكل ظريفٍ وطعم ذي أدبٍ ... والفول يهواه كل من ظرفا
1 / 165