الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم
ولو نظر في كلام المصنف حق النظر لا يتجه عليه شيء مما ذكر؛ لأنه قال في الإيضاح: وأما قول امرئ القيس: تطاول ليلك ... إلخ، فقال الزمخشري: فيه ثلاث التفاتات وهذا ظاهر على تفسير السكاكي؛ لأن في كل بيت التفاتا على تفسيره، لا يقال: الالتفات عنده من خلاف مقتضى الظاهر، فلا يكون في البيت الثالث التفات؛ لوروده على مقتضى الظاهر؛ لأنا نمنع انحصار الالتفات عنده في خلاف المقتضى لما تقدم- هذا كلامه- ولا يخفى على الناظر أنه مانع، ولا زعم للمانع، وتقييد عدم الانحصار بكونه عند السكاكي إنما يشعر بثبوته عند غيره على القول بمفهوم المخالفة، وهو إنما يثبت عند قائله إذا لم يكن للتقييد فائدة أخرى، وله في كلام المصنف فائدة أخرى ظاهرة، وهو أن المقصود منه دفع الاعتراض على المقدمة القائلة بأن في كل بيت التفاتا عند السكاكي، ثم الحق أن نظائر يرجعون على مقتضى الظاهر نظرا إلى الوضع، وعلى خلافه نظرا إلى الأسلوب، كلام المصنف في نفي الالتفات بناء على أنه على مقتضى الظاهر مبني # على حمل خلاف مقتضى الظاهر على خلاف مقتضى ظاهر الوضع، ومنع الانحصار في ذلك، وهو لا ينافي اشتراط كونه على خلاف مقتضى الظاهر بوجه ما (وإلى الغيبة إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك) (¬1) مكان لنا وقد كثر في الواحد من المتكلم لفظ الجمع تعظيما له لعدهم المعظم كالجماعة، ولم يجئ ذلك في الغائب والمخاطب في الكلام القديم، وإنما هو استعمال الوالدين كقوله: بأي نواحي الأرض أبغى وصالكم وأنتم ملوك لمقصدكم، نحو: تعظيما للمخاطب، كذا قالوا.
ولا يخفى أنه جاء إطلاق الجمع الغائب على الواحد كما في: نعم الماهدون، فإن الاسم الظاهر غائب، ويخالفه ما في الكشاف في سورة هود أنه يجوز أن يكون المخاطب في قوله تعالى: فإلم يستجيبوا لكم (¬2) النبي وحده، ويكون جمع الضمير تعظيما له كما في قوله:
[فإن شئت حرمت النساء سواكم] (¬3)
وما فيه في «سورة المؤمنون» في قوله تعالى: ارجعون أنه جمع الضمير تعظيما كما في قوله: [فإن شئت حرمت النساء سواكم] وقوله: ألا فارحموني يا إله محمد، ولا يبعد أن يجعل للواحد لفظ الجمع؛ لكونه بمنزلة جمع لا في العظمة، بل لغيرها، نحو: ضربنا للمبالغة في كثرة ضربه، حتى أنه كالضاربين، وكمرضنا للتنبيه على شدة مرضه كأنه متعدد من المرضى.
صفحة ٤١٨