نصف رأس ونصف بدن وعين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة، فأسرع مثل حضر الفرس العتيق وهو يقول:
فررت من جور الشّراة شدّا ... إذ لم أجد من الفرار بدّا
قد كنت دهرًا في شبابي جلدا ... فها أنا اليوم ضعيفٌ جدّا
زعم العرب أن سكان أرض وبار جن، ولا يدخلها إنسي أصلًا، فإن دخلها غالظًا أو عامدًا حثوا في وجهه التراب، فإن أبى إلا الدخول خبلوه أو قتلوه، أو ضل فيها ولا يعرف له خبر، ولهذا قال الفرزدق:
ولقد ضللت أباك تطلب دارمًا ... كضلال ملتمسٍ طريق وبار
لا تهتدي به أبدًا ولو بعثت به ... بسبيل واردةٍ ولا آثار
منها الإبل الحوشية، تزعم العرب أنها التي ضربها إبل الجن، وهي إبل لم ير أحسن منها؛ قال الشاعر:
كأني على حوشيّةٍ أو نعامةٍ ... لها نسبٌ في الطّير أو هي طائر
حكي أن رجلًا من أهل اليمن يومًا رأى في إبله فحلًا كأنه كوكب بياضًا وحسنًا، فأقره فيها تى ضرب إبله، فلما لقحها لم يره حتى كان العام المقبل، وقد نتجت النوق أولادًا لم ير أحسن منها، وهكذا في السنة الثانية والثالثة. فلما ألقحها وأراد الانصراف هدر فاتبعه سائر ولده، فتبعها الرجل حتى وصل إلى أرض وبار، فرأى هناك أرضًا عظيمة وبها من الإبل الحوشية والبقر والحمير والظباء ما لا يحصى كثرةً، ورأى نخلًا كثيرًا حاملًا وغير حامل، والتمر ملقى حول النخل قديمًا وحديثًا بعضه على بعض، ولم ير أحدًا من الناس، فبينا هو كذلك إذ أناه آت من الجن وقال له: ما وقوفك ها هنا؟ فقص عليه قصته وما كان من الإبل، فقال له: لو كنت فعلت ذلك على معرفة لقتلتك!
1 / 64