قال عمران بن أبي الحسن: ليس بأرض اليمن بلد أكبر من صنعاء، وهو بلد بخط الاستواء، بها اعتدال الهواء لا يحتاج الإنسان إلى رحلة الشتاء والصيف وتتقارب ساعات نهارها.
وكان من عجائب صنعاء غمدان الذي بناه التبابعة؛ قالوا: بانيه ليشرخ ابن يحصب؛ قال ابن الكلبي: اتخذه على أربعة أوجه: وجه أحمر ووجه أبيض ووجه أصفر ووجه أخضر، وبنى في داخله قصرًا على سبعة سقوف بين كل سقفين أربعون ذراعًا، فكان ظله إذا طلعت الشمس يرى على ماء بينهما ثلاثة أميال، وجعل في أعلاه مجلسًا بناه بالرخام الملون، وجعل سقفه رخامة واحدة، وصير على كل ركن من أركانه تمثال أسد، إذا هبت الريح يسمع منها زئير الأسد، وإذا أسرجت المصابيح فيه ليلًا كان سائر القصر يلمع من ظاهره كما يلمع البرق، وفيه قال ذو جدن الهمداني:
وغمدان الذي حدّثت عنه ... بناه مشيّدًا في رأس نيق
بمرمرةٍ وأعلاه رخامٌ ... تحامٌ لا يعيّب بالشّقوق
مصابيح السّليط يلحن فيه ... إذا أمسى كتوماض البروق
فأضحى بعد جدّته رمادًا ... وغيّر حسنه لهب الحريق
وقال أمية بن أبي الصلت يمدح سيف بن ذي يزن في قصيدة آخرها:
فاشرب هنيئًا عليك التاج مرتفقًا ... في رأس غمدان دارًا منك محلالا
تلك المكارم لا قعبان من لبنٍ ... شيبا بماء فصارا بعد أبوالا
وذكر أن التبابعة إذا قعدوا على هذا القصر وأشعلوا شموعهم يرى ذلك على مسيرة أيام.
حكي أن عثمان بن عفان، ﵁، لما أمر بهدم غمدان قالوا له: إن الكهنة يقولون هادم غمدان مقتول! فأمر بإعادته، فقالوا له: لو أنفقت
1 / 51