بويع مروان بن محمد بن مروان بالجزيرة في صفر سنة سبع وعشرين ومائة . فلم يستقر له حال ؛ ولا ثبت في مكان واحد ، واضطربت لديه الأمور بكثرة خروج بني عمه عليه وغيرهم . ويكنى أبا عبد الملك . فلم يبقى إلى أن قتل ببوصير من أرض مصر ، وهو يقاتل إلى أن سقط ميتا ، ، فلم يسمع نفسه ، يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، وتولى قتله عامر بن إسماعيل المسلي ( 3 ) من أهل خراسان . فكانت ولايته خمس سنين وشهرا ، وله ست وتسعون سنة . واختلف في أمه : فقيل أم ولد ، وقيل من بني جعدة من بني عامر بن صعصعة . وانقطعت ( 4 ) دولة بني أمية ، وكانت دولة عربية ، لم يتخذوا قاعدة ( 5 ) ، إنما كان سكنى كل امرئ ( 1 ) منهم في داره وضيعته التي كانت له قبل الخلافة ، ولا أكثروا احتجان الأموال ، ولا بناء القصور ، ولا استعملوا مع المسلمين أن يخاطبوهم بالتمويل ولا التسويد ( 2 ) ، ويكاتبوهم بالعبودية والملك ، ولا تقبيل الأرض ولا رجل ولايد ، وإنما كان غرضهم الطاعة الصحيحة من التولية ( 3 ) والعزل في أقاصي البلاد ( 4 ) ، فكانوا يعزلون العمال ، ويولون الأخر ، في الأندلس ، وفي السند ، وفي خراسان ، وفي إرمينية ، وفي اليمن ( 5 ) ، فما بين هذه البلاد ( 6 ) . [ وبعثوا إليها الجيوش ، وولوا عليها من ارتضوا من العمال وملكوا أكثر الدنيا ، فلم يملك أحد من ملوك الدنيا ما ملكوه من الأرض ، إلى أن تغلب عليهم بنو العباس بالمشرق ، وانقطع به ملكهم ، فسار منهم عبد الرحمن بن معاوية إلى الأندلس ، وملكها هو وبنوه ، وقامت بها دولة بني أمية نحو الثلاثمائة سنة ، فلم يك في دول الإسلام أنبل منها ، ولا أكثر نصرا على أهل الشرك ، ولا أجمع لخلال الخير ، وبهدمها انهدمت الأندلس إلى الآن ، وذهب بهاء الدنيا بذهابها ] . وانتقل ( 7 ) الأمر [ بالمشرق ] إلى بني العباس بن عبد المطلب رضوان الله عليه ، وكانت دولتهم أعجمية ، سقطت فيها دواوين العرب ، وغلب عجم خراسان على الأمر ، وعاد الأمر ملكا عضوضا محققا ( 8 ) كسرويا ، إلا أنهم لم يعلنوا بسب أحد من الصحابة ، رضوان الله عليهم ، بخلاف ما كان بنو أمية يستعملون من لعن علي ( 9 ) ابن أبي طالب رضوان الله عليه ( 10 ) ، ولعن بنيه الطاهرين من بني الزهراء ؛ وكلهم كان على هذا حاشا عمر بن عبد العزيز ويزيد بن الوليد رحمهما الله تعالى فإنهما لم يستجيزا ذلك . وافترقت في ولاية بني العباس ( 1 ) كلمة المسلمين ، فخرج عنهم من منقطع الزابين دون إفريقية إلى البحر المحيط وبلاد السودان ، فتغلب في هذه البلاد طوائف من الخوارج وجماعية وشيعة ومعتزلة من ولد إدريس وسليمان ابني ( 2 ) عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، ظهروا ( 3 ) في نواحي بلاد البربر ، ومنهم من ولد معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ، تغلبوا على الأندلس ، وكثير من غيرهم . وأيضا في خلال هذه الأمور تغلب الكفرة على نصف الأندلس وعلى نحو نصف السند [ فأما ما لم يملكه العباسيون فهو ما وراء الزاب من بلاد المغرب وتلمسان وأنظارها ، فوليها محمد بن سليمان الحسني ، وفاس وأنظارها كان فيها شيعة ثم آل ملكها إلى إدريس ، وأما تامسنا ففيها أولاد صالح بن طريف على ضلالتهم ، وأما سجلماسة فنزلها رئيس الصفرية . هذه هي البلاد المتفق عليها ، وأما المختلف فيها فإفريقية قيل أنه كان فيها عبد الرحمن بن حبيب ثائرا ، وفي الأندلس يوسف بن عبد الرحمن الفهري ] .
ولاية أبي العباس السفاح (4)
صفحة ١٤٧