الإمام أبي حنيفة وأصحابه ويأخذون منها قواعد أصولية، فهذا المنهج قريب من منهج القواعد الفقهية، ولذلك كان الحنفية من أوائل من ألف في القواعد الفقهية.
ولكن النشاط الحقيقي في التأليف في قواعد الفقه لم يبرز إلا في رواق القرن السابع الهجري، إذ برز فيه هذا العلم إلى حدٍّ كبير، وإن لم يبلغ مرحلة التكامل والنضج الذي نراه الآن في المصنفات التي بين أيدينا في قواعد الفقه، ومن طليعة المؤلفات في هذا الفن إبان هذه الحقبة:
• "قواعد الأحكام في مصالح الأنام": للإمام عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السُّلمي، المغربي الأصل، الدمشقي مولدًا، المصري دارًا ووفاة، الملقب بسلطان العلماء (ت ٦٦٠ هـ) وكتابه هذا من أقدم وأعظم ما وصل إلينا في هذا الموضوع، ولم يكن غرض المؤلِّف جمع القواعد الفقهية وتنسيقها على نمط معين، بل كان "الغرض بوضع هذا الكتاب بيان مصالح الطاعات والمعاملات وسائر التصرفات، لسعي العباد في تحصيلها، وبيان المخالفات لسعي العباد في درئها، وبيان مصالح العبادات ليكون العباد على خير منها، وبيان ما يقدَّم من بعض المصالح على بعض، وما يؤخر من بعض المفاسد على بعض، وما يدخل تحت اكتساب العبيد دون ما لا قدرة لهم عليه ولا سبيل لهم إليه" (١).
وموضوع الكتاب يدور حول القاعدة الشرعية الأساسية: "جلب المصالح ودرء المفاسد" وغالب القواعد الفقهية الأخرى التي نجدها منبثَّة في غضون الكتاب فمردُّها إلى هذه القاعدة العامة.
والواقع أن الكتاب فريد في موضوعه، ويفتح أمام القارئ آفاقًا واسعة للتفكير، ولم ينسج على منواله كتاب آخر يضارعه في موضوعه إلى عصر المؤلف.
_________
(١) "قواعد الأحكام" (١/ ١٤) فصل في بيان مقاصد هذا الكتاب.
1 / 47