فجميع تلك الآثار والمرويات أمارات بارزة على وجود القواعد في عصر الرسالة وعصر التابعين، وأنهم كانوا ينطقون بكلمات لا تخص موضوعًا واحدًا أو قضية معينة، بل يمكن إجراؤها في كثير من المواطن عند توافر الشروط واستعمالها باعتبارها جامعة لكثير من المسائل والفروع.
وإذا تجاوزنا هذه المرحلة وانتقلنا إلى عصر أئمة الفقهاء، العصر الذي اتسق فيه الفقه، وتفتحت براعمه، وانفصل عن الفنون الأخرى صادفنا وجود بعض هذه القواعد في المصادر الأولية الأصيلة التي تم تدوينها في ذلك العصر.
ولعلَّ أقدم مصدر فقهي اهتم بذكر بعض هذه القواعد والضوابط العامة كتاب "الخراج" للإمام القاضي أبي يوسف (ت ١٨٢ هـ)، ومن ذلك قوله: "التعزير إلى الإمام على قدر الجناية".
وقوله: "كل من مات من المسلمين لا وارث له، فماله لبيت المال".
ومن تلك المصادر أيضًا بعض كتب الإمام محمد بن الحسن الشيباني (ت ١٨٩ هـ) ومن أقواله: "كل أمر يحل بغير نكاح ولا ملك إنما يحل بالإذن فيه".
وقوله: "كل من له حق فهو له على حاله حتى يأتيه اليقين على خلاف ذلك".
ومن أمثلة ذلك أن الإمام الشافعي في كتابه "الأم" ذكر عددًا من الأحكام وعللها بعلل جامعة تضمل مسائل عديدة، ومن ذلك قوله: "لا يُنسب إلى ساكت قول"، وقوله: "الرُّخص لا يتعدى بها محلها" فأُخذت هذه الألفاظ كقواعد عامة (فقهية) رُتِّبت عليها أحكام في العديد من الأبواب.
وقوله: "قد يباح في الضرورات ما لا يباح في غير الضرورات".
وقوله: "إذا ضاق الأمر اتسع".
1 / 44