40 -
حدثنا أبو بكر الآجري قال أخبرنا الفريابي، أخبرنا منجاب بن الحارث قال: حدثنا علي بن مسهر، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله قال: أخبرني عبد الرحمن بن عوف قال: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى النخل الذي فيه ابنه إبراهيم، فوجده يجود بنفسه، فأخذه فوضعه في حجره، ثم قال: «يا إبراهيم
ما نملك لك من الله شيئا» وذرفت عيناه، فقلت: صلى الله عليك أتبكي؟ أو لم تنه عن البكاء؟ قال: "
ما نهيت عنه، ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة، وخمش وجوه، وشق جيوب، ورنة شيطان، وهذه رحمة، ومن لا
[ص: 184]
يرحم لا يرحم، يا إبراهيم لولا أنه أمر حق، ووعد صدق، وأنها سبيل مأتية، وأن آخرنا سيلحق بأولنا لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا، وإنا بك لمحزونون، تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب "
[ص: 185]
قال محمد بن الحسين: هذا يدل العقلاء على أن يكونوا إذا أنعم الله الكريم عليهم بنعمة مما يسرون بها ويفرحون بها فحكمهم أن يشكروا الله عز وجل عليها ويكثروا ذكره ويطيعوا الله عز وجل ويستعينوا بها على طاعته، وذلك مثل تزويج وزفاف وختان أولادهم وولائمهم، وما أشبه ذلك من الأفراح. ويواسوا من هذه النعم القرابة والجيران والضعفاء وغيرهم، ويغتنموا دعاء الفقراء والمساكين حتى يكونوا قد استعانوا بنعمة الله عز وجل على طاعته، فإن لم يفعلوا ذلك وأشروا وبطروا وأحضروا هذه الأفراح المعاصي: اللهو بالطبل والمزمار والمعازف والعود والطنبور والمغني والمغنيات فقد
[ص: 186]
عصوا الله عز وجل، إذا استعانوا بنعمه على معاصيه، فآذوا بهذا الفعل قلوب المؤمنين، ولزمهم الإنكار عليهم، وتأذوا بجوارهم، وكثر الداعي عليهم بقبيح ما ظهر مما نهوا عنه، وهكذا إذا مات الميت أو أصيبوا بالمصائب الموجعة للقلوب فالعقلاء من المؤمنين يستعملون في مصائبهم ما قال الله عز وجل من الصبر، والاسترجاع، والحمد لمولاهم الكريم، والصلاة، فأثابهم مولاهم الكريم على ذلك ورضي فعلهم وحمدهم العقلاء من الناس، وإن بكوا وحزنوا فلا عيب عليهم، لأن المؤمن رقيق القلب فبكاؤه رحمة فمباح ذلك له، وأما الجهال من الناس، وهم كثير، فإنهم إذا أصيبوا بما ذكرنا سخطوا ما حل بهم، ودعوا بالويل والثبور، والحروب، والسلب، ولطموا الخدود، ونشروا الشعور وجزوها، وخمشوا وجوههم، وشقوا جيوبهم، وناحوا، واستعملوا النوح وعصوا الله عز وجل في مصائبهم بمعاص كثيرة واستعملوا أخلاق الجاهلية في طعام يعملونه ويدعون إليه، والبيتوتة عند أهل الميت، وكثرة زيارة نسائهم إلى القبور، وتضييعهم للصلوات،
[ص: 187]
وأشباه لهذه المعاصي فالله عز وجل يمقتهم على ذلك، والمؤمنون يتأذون بما ظهر من المناكير التي أظهروها، ويتعاونون على الإثم والعدوان بنعم، ويجدون على ذلك أعوانا لظهور الجهل ودروس العلم
صفحة غير معروفة