بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين وعليه أتوكل
الحمد لله الواحد الأحد الفرد السيد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، أحمده على ما أولى من النعم وأسدى من الكرم، وأصلي على رسوله محمد المنعوت بأعظم الشيم، المبعوث إلى أكرم الأمم، وأسلم عليه، وعلى آله تسليما كثيرا.
أما بعد: فإن الله من علي بعد منة الهداية بعلو الرواية في الصحاح التي هي الأعلام بشرائع الإسلام، كالصحيحين وموطأ مالك بن أنس الإمام، فتفردت برواية بعضه في هذا الزمان من بين الأقران، وعلوت في بعضه في الإسناد حتى ألحقت الأحفاد بالأجداد، فهممت أن أجمع أربعين حديثا، اقتداء بأئمة السلف رضي الله عنهم أجمعين، ولما وردت من الفضائل في رواية الأربعين من سنن سيد المرسلين.
فقد روى عبد الله بن عباس، عن معاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم: من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء العلماء.
صفحة ٥٧
ورواه أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله فقيها، وكنت له يوم القيامة شافعا وشهيدا.
ورواه أبو هريرة بلفظة أرجى من هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من روى عني أربعين حديثا جاء في زمرة العلماء يوم القيامة.
وعن ابن عباس في حديث غريب: من حفظ على أمتي حديثا واحدا كان له أجر أحد وسبعين نبيا صديقا.
صفحة ٥٨
وفي رواية: من حفظ على أمتي حديثا واحدا من أمر دينهم، أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صديقا.
ورواه سفيان الثوري: عن ليث، عن طاووس، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أدى إلى أمتي حديثا واحدا يقيم به سنة، ويرد بدعة فله الجنة.
فهذه الفضائل وأمثالها حداني لتخريج هذا الأربعين.
وصدرته بالأربعة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين، وأستعين في جميع ذلك الله ونعم الوكيل.
صفحة ٥٩
الحديث الأول عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه
أخبرنا الإمام فقيه الحرم أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي -رحمه الله- قراءة عليه وأنا أسمع، سنة ثلاثين وخمسمائة -وفيها مات رحمه الله- أخبرنا الشيخ أبو الحسين عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفارسي، أخبرنا أبو أحمد محمد بن عيسى بن عمرويه بن منصور الجلودي، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه، حدثنا أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث. ح:
وبه: حدثنا مسلم، وحدثنا محمد بن رمح، أخبرنا الليث، عن
صفحة ٦٠
يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عبد الله بن عمرو، عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كبيرا -وقال قتيبة: كثيرا- ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم.
وبه: حدثنا مسلم، قال: وحدثنيه أبو الطاهر، أخبرنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني رجل سماه [و] عن عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني يا رسول الله دعاء أدعو به في صلاتي وفي بيتي.. .. ثم ذكر بمثل حديث الليث، غير أنه قال: ظلما كبيرا.
هذا حديث صحيح، متفق على صحته.
فرواه البخاري في الصلاة عن قتيبة.
صفحة ٦١
وفي الدعوات عن عبد الله بن يوسف، كلاهما عن الليث.
ورواه في التوحيد عن يحيى بن سليمان، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث.
ورواه مسلم في التوحيد أيضا عن قتيبة ومحمد بن رمح، عن الليث.
وفي الدعوات كما أخرجناه.
سمعت من هذا الشيخ صحيح مسلم -رحمه الله- بكماله، وهو فقيه الحرم أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد بن أبي العباس الصاعدي الفراوي، أصله من أهل ثغر فراوة، وولد بنيسابور سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، وتوفي بها ضحوة يوم الخميس الثاني والعشرين من شوال سنة ثلاثين وخمسمائة، وكان رحمه الله إماما مفتيا مناظرا محدثا واعظا، أثنى عليه الإمام أبو سعد السمعاني،
صفحة ٦٢
وقال: ما رأيت في شيوخنا مثله، مع كثرة ما لقي من المشايخ.
صفحة ٦٣
الحديث الثاني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أخبرنا أبو المعالي محمد بن إسماعيل بن محمد بن الحسين بن القاسم بن عبد الصمد الفارسي -رحمه الله- أخبرنا أبو عثمان سعيد بن أبي سعيد العيار الصوفي، أخبرنا أبو علي محمد بن عمر بن محمد الشبوي، أخبرنا محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفربري، حدثنا أبو عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن
صفحة ٦٤
المغيرة الجعفي، حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي، حدثنا سفيان بن عيينة، حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي، أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي، يقول: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على المنبر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه.
هذا حديث صحيح، متفق على صحته.
فرواه البخاري في أول كتابه الصحيح كذلك.
ورواه في الإيمان، والنكاح، والعتق، وهجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وترك الحيل، والأيمان والنذور، بطرق.
ورواه مسلم في الجهاد.
صفحة ٦٥
وغيره بطرق أيضا.
ولا يروى على الصحة إلا عن يحيى بن سعيد الأنصاري قاضي المدينة بإسناده.
وروي بأسانيد أخر لا يصح منها شيء، والله أعلم.
وشيخنا هذا عدل ثقة، سمع الحديث في صغره مع جده لأمه أبي الحسن عبد الجبار الدهان، وهو آخر من روى الصحيح عن أبي عثمان العيار، وتفرد برواية كتاب السنن الكبير، والمدخل إلى السنن، من تصانيف الأستاذ أبي بكر البيهقي، ولي عنه إجازة
صفحة ٦٦
صحيحة، وسمعت منه صحيح البخاري بكماله بهذا الإسناد، ولد في شعبان سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، وتوفي -رحمه الله- ليلة الأحد ثالث جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة.
صفحة ٦٧
الحديث الثالث عن عثمان بن عفان رضي الله عنه
أخبرنا الإمام أبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي يوم الأحد السابع عشر من صفر سنة ست وثلاثين وخمسمائة، أخبرنا أبو العباس الفضل بن عبد الواحد بن عبد الصمد، أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي الحيري، أخبرنا أبو محمد حاجب بن أحمد بن يرحم بن سفيان الطوسي، حدثنا محمد بن حماد، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن حمران بن أبان، قال: رأيت عثمان بن عفان توضأ، فأفرغ على يديه ثلاثا فغسلها، ثم تمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثا، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا، ثم غسل اليسرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه، ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثا، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت
صفحة ٦٨
رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: من توضأ وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه.
هذا حديث صحيح متفق على صحته.
فرواه البخاري في الطهارة عن عبد العزيز بن عبد الله، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري.
وعن إبراهيم، عن صالح، عن الزهري.
وعن أبي اليمان، عن شعيب.
وعن عبدان، عن عبد الله، عن معمر، كلاهما عن الزهري.
ورواه مسلم عن أبي الطاهر، وحرملة، عن ابن وهب، عن يونس، عن الزهري.
فكأن بيني وبين الشيخين ثلاثة أنفس، باعتبار هذين الطريقين
صفحة ٦٩
الآخرين، وصافحت الفارسي، والعيار الصوفي، والحفصي.
وشيخنا هذا هو: الإمام الزاهد الثقة أبو البركات عبد الله بن الإمام فقيه الحرم أبي عبد الله الفراوي، كان ثقة عالما صدوقا دينا حسن الأخلاق كثير المشايخ والرواية، ولد سنة أربع وسبعين وأربعمائة، وتوفي سنة تسع وأربعين وخمسمائة بعد إغارة الغز نيسابور، وقيل: أنه مات من الجوع رحمه الله.
صفحة ٧٠
الحديث الرابع عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه
أخبرنا الشيخ الإمام أبو سعيد طاهر بن زاهر الشحامي، أخبرنا أبو العباس الفضل بن عبد الواحد بن عبد الصمد، أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي الحيري، حدثنا حاجب بن أحمد الطوسي، حدثنا محمد بن حماد، حدثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن أبي جحيفة، قال: سمعت عليا يقول: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وخيرها بعد أبي بكر عمر، ولو شئت أن أسمي الثالث لفعلت.
وبه: حدثنا محمد بن حماد، حدثنا أبو معاوية، عن هارون بن سلمان مولى عمرو بن حريث، عن عمرو بن حريث، قال: سمعت عليا يقول: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وخيرها بعد أبي بكر عمر، ولو شئت أن أسمي الثالث لفعلت.
صفحة ٧١
وبه: حدثنا أبو محمد حاجب بن أحمد بن يرحم بن سفيان الطوسي، حدثنا عبد الله بن هاشم، حدثنا وكيع، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن علي قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق على فرضة من فرض الخندق، فقال: شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر حتى غابت الشمس، ملأ الله قبورهم، أو بيوتهم، أو بطونهم، أو أجوافهم - نارا.
حديث صحيح.
أخرجه مسلم في الصلاة عن أبي بكر بن أبي شيبة وزهير، عن وكيع.
وعن عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، كلاهما عن شعبة.
وقع إلي عاليا، فكأن بيني وبين مسلم ثلاثة أنفس، وكأني صافحت أبا الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي، وسمعت منه.
وشيخنا هذا هو: الإمام الثقة العدل أبو سعيد طاهر بن زاهر بن طاهر بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن
صفحة ٧٢
المرزبان بن علي بن عبد الله بن المرزبان الشحامي، ولد في شهور سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، بنيسابور، وتوفي بها في أواخر شوال سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة.
وحديث أبي جحيفة عن علي رضي الله عنه حديث غريب.
وقول علي رضي الله عنه: (ولو شئت أن أسمي الثالث لفعلت) لم يرد به نفسه، لما أخبرنا المشايخ العشرون قالوا: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله بن عمرو بن خلف الشيرازي، أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي، أخبرنا أبو حاتم الرازي، حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، حدثنا جامع بن أبي راشد، حدثنا أبو يعلى منذر بن يعلى الثوري، عن محمد بن الحنفية، قال: قلت لأبي يا أبة، أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر،
صفحة ٧٣
وخشيت أن أقول: ثم من؟ فيقول: كذا، فقلت: ثم أنت يا أبة، فقال: ما أنا إلا رجل من المسلمين.
هذا حديث صحيح.
أخرجه البخاري في كتابه عن محمد بن كثير.
وأبي جحيفة اسمه: وهب بن عبد الله السوائي، صحابي، سمع النبي صلى الله عليه وسلم. أخرج عنه أصحاب الصحاح، في الصحيحين أربعة عشر أحاديث.
ولم يخرجا هذا الحديث، مع أنه من شرطهما، مع أنه حديث غريب عجيب، لأنه رواية الصحابي عن الصحابي، ورواه الشعبي -واسمه: عامر بن شراحيل- عن أبي جحيفة، عن علي، مع أنه أدرك عليا رضي الله عنه وروى عنه، ورواه إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن أبي جحيفة، مع أنه أدرك أبا جحيفة وروى عنه غير حديث في الصحيحين، والله أعلم.
صفحة ٧٤
الحديث الخامس عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه
أخبرنا الإمام أبو بكر وجيه بن طاهر بن محمد بن محمد الشحامي الخطيب، أخبرنا أبو سهل محمد بن أحمد بن عبيد الله الحفصي، أخبرنا أبو الهيثم محمد بن المكي الكشميهني، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يوسف الفربري، حدثنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، حدثني إسماعيل، حدثني مالك بن أنس، عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد، ثائر الرأس، نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات في اليوم والليلة. فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع. قال رسول الله: وصيام رمضان. قال: هل علي غيره؟ قال: لا،
صفحة ٧٥
إلا أن تطوع. قال: فقال رسول الله: الزكاة. فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع. قال: فأدبر الرجل، وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص. قال رسول الله: أفلح الرجل إن صدق.
هذا حديث صحيح، متفق على صحته.
فرواه البخاري كذلك في كتاب الإيمان.
وعن قتيبة عن إسماعيل بن جعفر، عن أبي سهيل.
ورواه مسلم عن قتيبة، عن مالك.
وعن يحيى بن أيوب وقتيبة، عن إسماعيل بن جعفر، عن أبي سهيل.
وشيخنا هذا هو: الإمام أبو بكر وجيه بن طاهر بن محمد بن محمد بن أحمد بن يوسف بن محمد بن المرزبان الشحامي، أخو أبي القاسم زاهر بن طاهر الأصغر منه، سمعه أبوه الكثير ورحل بنفسه إلى بغداد وهراة، وأدرك الشريف أبا نصر محمد بن محمد بن علي الزينبي، وسمع منه، وكان يفتخر به، ولد بنيسابور صبيحة يوم الثلاثاء
صفحة ٧٦