بما لسائر الموجودات ، لوجدت انك انت وكل الكرة الارضية ، بل وكل المنظومة الشمسية ، لا قيمة لكم مقابل هذا العالم الجسماني الذي هو ادنى العوالم واصغرها .
ايها العزيز ! انك لم تر سوى نفسك ، والذي رايته لم تضعه موضع الاعتبار والمقارنة . حاول ان تنظر الى نفسك وما تملك من شؤون الحياة وزخارف الدنيا وقارنها بمدينتك . وقارن مدينتك بوطنك ، ووطنك بسائر الدول في الدنيا التي لم تسمع باكثر من واحدة بالمئة منها ، وقارن كل الدول بالكرة الارضية ، والارض بالمنظومة الشمسية ، وبالكرات الواسعة التي تعيش على فتات اشعة الشمس المنيرة ، وقارن كل المنظومة الشمسية الخارجة عن محيط فكري وفكرك ، بالمنظومات الشمسية الاخرى التي تعد شمسنا وجميع سياراتها ، واحدة من سيارات احدى تلك المنظومات التي لا يمكن ان تقارن شمسنا معها ، والتي يقال ان ما اكتشف منها حتى الآن يبلغ عدة ملايين من المجرات ، وان في هذه المجرة القريبة الصغيرة عدة ملايين من المنظومات الشمسية التي تكبر اصغر شمسها على شمسنا ملايين المرات وتسطع نورا اكثر . هذه كلها من العوالم الجسمانية التي لا يعرفها الا خالقها ، وان ما اكتشف منها لا يبلغ الجزء الضئيل منها . وكل عوالم الاجسام هذه لا تكون شيئا بالقياس الى عالم ما وراء الطبيعة ، فهنالك عوالم لا يمكن للعقل البشري ان يتخيلها .
هذه شؤون حياتك وحياتي وهذه حظوظنا ونصيبنا من عالم الوجود . وعندما تشاء ارادة الله ان تتوفاك من هذه الدنيا ، فانه يامر جميع قواك بالاتجاه نحو الضعف وجميع حواسك بالتوقف عن العمل ، فتختل اجهزة وجودك ، ويذهب سمعك وبصرك ، وتضمحل قواك وقدراتك ، فتصير قطعة جماد تزكم بعد ايام رائحتك العفنة ، انوف الناس وتؤذي مشامهم ، ويهربون من صورتك وهيئتك ، وما ان تمضي عليك ايام اخر حتى تهترأ اعضاؤك وتتفسخ . هذه هي احوال جسمك ، اما احوال اموالك وثروتك فامرها معروف .
اما عالم برزخك : فانك ان انتقلت من هذه الدنيا لا سمح الله قبل ان تصلحه ، فالله يعلم كيف تكون صورتك ، وكيف تكون احوالك ، اذ ان قوى الادراك في هذا العالم عاجزة عن ان تسمع او ترى او تشم شيئا من ذلك العالم .ان ما تسمعه عن ظلمة القبر ووحشته وضيقه انما تقيسه على ما في هذا العالم من ظلمة ووحشة وضيق ، مع ان هذا القياس وهذه المقارنة باطلة . نسال الله ان ينجينا مما اعددنا لانفسنا بانفسنا !
ان عذاب القبر انموذج من عذاب الآخرة ، والمستفاد من بعض الاحاديث ان ايدينا تقصر عن الوصول الى شفاعة الشفعاء في القبر ، فيا له من عذاب ! ان نشاة الآخرة اشد وافظع من جميع الحالات السابقة . انه يوم تبرز فيه الحقائق ، وتنكشف فيه السرائر ، وتتجسد فيه الاعمال والاخلاق . يوم تصفية الحساب . يوم الذلة في المواقف . تلك هي احوال يوم القيامة !
صفحة ٩٩