144

الاربعون حديثا :148

فاذا انتزع الشيطان لا سمح الله وسائل الايمان من يدك ، فلن تكون جديرا بالرحمة والشفاعة . نعم ، رحمة الله واسعة في الدارين . فاذا كنت تطلب الرحمة ، فلماذا لا تستفيد من فيوضات الرحمة المتتالية في هذه الدنيا ، وهي بذور الرحمات الاخرى ؟ ان هذا العدد الكبير من الانبياء والاولياء دعوك الى مائدة ضيافة الله ونعمه ، ولكنك رفضتها وهجرتها بوسوسة من الخناس ، وبايحاء من الشيطان ، وضحيت بمحكمات كتاب الله ، وبالمتواترات من احاديث الانبياء والاولياء ، وببديهات عقول العقلاء ، وببراهين الحكماء الدامغة ، على مذبح نزعات الشيطان والاهواء النفسية . الويل لي ولك من هذه الغفلة والعمى والصمم والجهل ! .

فصل: في عصبيات اهل العلم

من جملة العصبيات الجاهلية هو العناد في القضايا العلمية ، والدفاع عن كلمة سبق ان صدرت منه او من معلمه او شيخه ، دون النظر الى احقاق الحق وابطال الباطل . لا شك ان مثل هذا التعصب اقبح من كثير من العصبيات الاخرى واجدر بالذم من جوانب عديدة . فمن جانب المتعصب نفسه نرى ان اهل العلم ينبغي ان يكونوا هم المربين لابناء البشر ، باعتبارهم فروع شجرة النبوة والولاية ، وعارفين بوخامة الامور وعواقب فساد الاخلاق . فاذا اتصف العالم لا قدر الله بالعصبية الجاهلية او بالصفات الرذيلة الشيطانية ، كانت الحجة عليه اتم وعقابه اشد . ان من يعرف نفسه على انه مصباح الهداية ، وشمع محفل العرفان ، والهادي الى السعادة ، ومعرف طرق الآخرة ، ثم لا يعمل لا سمح الله بما يقول ، ويختلف باطنه عن ظاهره ، يكون في زمرة اهل الرياء والنفاق ، ويحسب مع علماء السوء ، ويكون عالما بلا عمل . وهذا عقابه اكبر وعذابه اشد . وقد اشار الله سبحانه الى امثال هذا في القرآن بقوله :

«بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين» (1) .

اذا ، من اهم التزامات اهل العلم هو ان يحافظوا على هذه الامور وهذه المقامات ، وان يطهروا انفسهم كل التطهير من هذه المفاسد ، لكي يصلحوا بهذا انفسهم والمجتمع ، وتكون مواعظهم مؤثرة ، وتقع نصائحهم موقعها من القلوب . ان فساد العالم يؤدي الى فساد الامة . ومن البديهي ان الفساد الذي يتسبب في مفاسد اخرى والخطيئة التي تزيد خطايا اخرى وتعظمها تكون اعظم عند ولي النعم من الفساد الجزئي الذي لا يتعدى الى غيره .

ومن ناحية اخرى في قباحة هذه السجية لدى اهل العلم هو جانب العلم نفسه ، اذ ان هذه العصبية خيانة للعلم وتجاهل لحقه اذ ان من يتحمل عبء هذه الامانة ويلبس لبوسها ، عليه الاربعون حديثا :149

صفحة ١٤٨