عندما يرى نفسه اقوى ممن يغضب عليه ، او يرى انه ، على الاقل ، يتساوى معه في القوة . اما مع الذين يرى انهم اقوى منه ، فلا يظهر الغضب امامهم ، بل تكون الفورة والاشتعال في باطنه ويبقى محبوسا في داخله ويولد الحزن في قلبه . وعليه فان العلاج في حالات انفعال الشديدة من الغضب والفورة يكون على جانب كبير من الصعوبة . نعوذ بالله منه .
فصل: في بيان ان معالجة الغضب باقتلاع جذوره
من اهم سبل معالجة الغضب هي اقتلاع جذوره بازالة الاسباب المثيرة له . وهي امور عديدة ، سوف نتناول بعضا منها مما يتناسب وهذا الكتاب .
من تلك الاسباب حب الذات ، ويتفرع عنه حب المال والجاه والشرف والنفوذ والتسلط . وهذه كلها تتسبب في اشعال نار الغضب ، اذ ان من كانت فيه هذه الانواع من الحب ، يهتم بهذه الامور كثيرا ، ويكون لها في قلبه مكان رفيع . فاذا اتفق ان واجه بعض الصعوبات في واحدة منها ، او احس بان هناك من ينافسه فيها ، تنتابه حال من الغضب والهيجان دون سبب ظاهر ، فلا يعود يملك نفسه ، ويستولي عليه الطمع وسائل الرذائل الناجمة عن حب الذات والجاه وتمسك بزمامه ، وتحيد باعماله عن جادة العقل والشرع . ولكن اذا لم يكن شديد التعلق والاهتمام بهذه الامور ، فان هدوء النفس والطمانينة الحاصلة من ترك حب الجاه والمقام وسائر تفرعاته ، تمنع النفس من ان تخطو خطوات تخالف العدالة والروية . ان الانسان البسيط غير المتكلف يتحمل المنغصات ولا تتقطع حبال صبره ، فلا يستولي عليه الغضب المفرط في غير وقته . اما اذا اقتلع جذور حب الدنيا من قلبه اقتلاعا ، فان جميع المفاسد تهجر قلبه وتحل محلها الفضائل الاخلاقية السامية .
ومن الاسباب الاخرى لإثارة الغضب هو ان الانسان قد يظن الغضب ، وما يصدر عنه من سائر الاعمال القبيحة والرذائل السافلة ، كمالا ، وذلك لجهله وقلة معرفته . فيحسب الغضب من الفضائل ، ويراه بعض الجهال فتوة وشجاعة وجراة ، فيتباهى ويطري على نفسه في انه فعل كذا وكذا ، فيحسب هذه الصفة الرذيلة المهلكة شجاعة ، هذه الشجاعة التي تكون من اعظم صفات المؤمنين ، والصفات الحسنة . فلا بد وان نعرف بان الشجاعة غير الغضب ، وان اسبابها ومبادئها وآثارها وخواصها تختلف عن اسباب الغضب ومبادئه وآثاره وخواصه . مبدا الشجاعة هو قوة النفس والطمانينة والاعتدال والايمان وقلة المبالاة بزخارف الدنيا وتقلباتها . اما الغضب فناشئ عن ضعف النفس وتزلزلها ، وقلة الايمان ، وعدم الاعتدال في المزاج وفي الروح ، وحب الدنيا والاهتمام بها ، والتخوف من فقدان اللذائذ البشرية . لذلك تجد هذه الرذيلة الاربعون حديثا :139
صفحة ١٣٨