هذه حالة العبد الموفق من الزهادة، والورع من العبادة، الذي مقت نفسه فاستوى عنده النعمة والبلاء والشدة والرخاء، فأما من طلب النعمة وأحب لذيذ العيش والدعة فليس من رجال الصبر على ما ينوبه من مكروه الأمر.
هذا وثواب الماقت لنفسه، الذي فاق بورعه أبناء جنسه ما حدثناه البرجي أبو الفرج أخبرنا محمد بن عمر أخبرنا أحمد بن الخليل حدثنا إبراهيم بن إسحاق الزراد حدثنا إبراهيم بن العباس -وكان فاضلا- حدثني الصباح بن أيوب الهجري أخبرني أبو صالح الهجري قال: تفكرت ذات ليلة في أشياء من أمر ربي -عز وجل- مقت نفسي فدمعت عيناي وسهرت ساعة من الليل فتوضأت وصليت ثم أغفيت موضعي فإذا أنا بجارية حسناء عليها ثياب خضر ومعها شيء يشبه الفرض أبيض فقالت: ذق هذا فذقته فإذا هو شهد فجعلت تلقمني فقلت: ما ذقت مثل هذا، فقالت: هذا لمقتك نفسك فإذا زدت زادوك فقلت لها: فسري ما قلت، قالت: مقتك لنفسك عبادة، وفكرتك حسنة، ودمعتك ثمرة، وصلاتك جنة، ثم قالت: اعمل لكريم لا يضيق بالكثير وقل يا متسع اتسع علينا بفضلك وأهلنا لأمر لسنا أهله فإن لم نستحق المغفرة فأنت أهل التقوى و[أهل] المغفرة وجد علينا بفضلك فإن ما عندنا ينفد وما عندك يبقى ونحن إلى فناء وأنت الحي القيوم، ثم قالت: اضطجع فاضطجعت فنمت فانتهيت فإذا في يدي خرقة حرير لا زورد فيها مكتوب:
تيقظ من منامك يا غبي ... فخير رجال دنياك التقي
صفحة ٢٣٣