قال: اقتدوا باللذين من بعدي " أبو بكر وعمر " فلما أمرني النبي بالاقتداء بهما، علمنا أنه لم يأمر بالاقتداء إلا بخير الناس.
فقال المأمون: الروايات كثيرة ولا بد من أن يكون كلها حقا، أو كلها باطلا، أو بعضها حقا وبعضها باطلا، فلو كان كلها حقا، كان كلها باطلا من قبل أن بعضها نقيض بعض ولو كان كلها باطلا كان في بطلانها بطلان الدين ودروس الشريعة، فلما بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار وهو أن بعضها حق وبعضها باطل، وإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منه ليعتقد وينفى خلافه، فإذا كان دليل الخبر في نفسه صحيحا كان أول [أولى] ما اعتقد وآخذ به، وروايتك هذه من الأخبار التي أدلتها باطلة في أنفسها، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله أحكم الحكماء، وأولى الحق بالصدق، وأبعد الناس من الأمر بالمحال. وحمل الناس على التدين بالخلاف، وذلك أن هذين الرجلين لا يخلوان من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مختلفين؟ فإن كانا متفقين من كل جهة كان واحدا بالعدد والصورة والجسم وهذا معدوم بأن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة، وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما:
وهذا تكليف ما لا يطاق، لأنك إذا اقتديت بواحد فقد خالفت الآخر، والدليل على اختلافهما أن أبا بكر سبى أهل الردة، وردهم عمر أحرارا (1) وأشار عمر إلى أبي بكر بعزل خالد بقتله لمالك بن .
صفحة ٢٠