ولكن كلّ ذلك لا ينقص من أهميّة هذا الكتاب، ولا يقدح في قيمته كتابا رائدا في بابه فهو وثيقة اجتماعيّة تؤرخ لوجدان المجتمعين العراقيّ والشاميّ، وللوجدان العربّي الإسلاميّ بصورة عامّة من ورائهما. فإذ يمرّ ذكر البطّال عابرا- عدا تأريخ ابن عساكر. في حوادث سنة ١٢٢ هـ لدى بعض المؤرّخين نجده قد اتخذ مكانا في الذاكرة الشعبية فضرب المثل بشجاعته في: ١٢٣٤. وإذ تسكت كتب التاريخ وسواها عن الرّنداق صاحب شرطة أنطاكية نجد الذاكرة الاجتماعيّة قد ضربت المثل بشدّته في: ١١٦٢. وإذ تسكت كتب التاريخ عن علاقة واضحة بين خليفة المسلمين ورعاياه نستشف من المثل ١٠٩٩ شيئا أقرب إلى الضجر من طول أعمار الخلفاء- رغم قصرها-، ولعل هذا الموقف من الخلافة هو الذي صوّر سجون الخلفاء على الغاية من الاكتظاظ بالناس- ينظر: ١٢٢٦، ودواوين خراجهم على الغاية أيضا من الاكتظاظ بالمال [١٤٤] . ولعله هو الذي غيّب القرامطه والزنج عن ذاكرة المجتمع رغم أحاديث التاريخ المستفيضة عمّا صوّرته على أنّه من الفظائع.
وتنبيء هذه الأمثال أيضا عن تحوّل في الذوق الأدبيّ، فإذا تصوّر لنا مصادر الأدب الشعر الجاهليّ والأمويّ على أنهما الغاية التي بلغها الشعر العربيّ، وأنّه بديء الشعر بامريء القيس وختم بذي الرّمة- كما يقول الأصمعيّ- نجد الضيق بشعر امريء القيس في: ١١٨٥، وبشعر
_________
[١٤٤] ينظر: ١٢٢٥.
1 / 47