فقال: سمعا وطاعة، فأحضر الرجلين فقتلهما، وقال: هذا جزاء من يجتري على ملكه، وتفرق ملك فارس، ثم سار الإسكندر إلى بابل وجلس على سرير دارا، واستولى على خزائنه وجواهره وسلاحه، وتزوج ابنته، وكانت من أحسن الناس، ويقال: إن الإسكندر لم يجتمع بها، وقال: أخشى أن أكون غلبت دارا وتغلبني ابنته، ولما استولى على ملك فارس عرض جيشه وجيش الفرس فكان ألف ألف أو أكثر، وشرع في هدم بيوت النيران، وقتل الموابذة، وكتب إلى معلمه أرسطاطاليس يستشيره فيمن بقي من عظماء الفرس في قتلهم، فكتب إليه أرسطاطاليس جوابا من جملته، أن قال: وأنا فيما أشير به على الملك حد الطاقة معه كالعدم مع الوجود، وغير ممتنع من إجابته، فأقول: إن لكل تربة لا محالة قسما من كل فصيلة وإن لفارس قسمتها من النجدة والقوة، وإنك إن تقتل أشرافهم يرث سفلتهم منازل عليتهم، ولم تبتل الملوك قط ببلآء أعظم من غلبة السفلة، وذل الوجوه، وأخذ الحذر كله إن تمكن تلك الطبقة من الغلبة، فإن نجم منهم ناجم على جندك وأهل بلادك تعدى ذلك إلى غيره فاعمد إلى من قبلك من العظماء والأحرار فوزع بينهم مملكتهم، والزم اسم الملك كل من وليته(1) منهم ناحية، واعقد التاج على رأسه وإن صغر ملكه فإن المتسم بالملك لازم لاسمه، والمعتقد التاج لا يخضع لغيره، ولا يلبث ذلك أن يوقع بين كل ملك منهم وبين صاحبه تدابرا وتعاليا على الملك وتفاخرا بالمال حتى ينسوا بذلك أضغانهم عليك، ويعود حربهم لك حربا بينهم، ثم لا يزدادوا في ذلك نضرة إلا أحدثوها استقامة بك فإذا دنوت منهم كانوا لك، وإن نأيت عنهم تغرروا بك حتى تثبت كلا منهم على جاره باسمك، وفي ذلك شاغل لهم عنك وأمان لأحداثهم بعدك، ولا أمان للدهر، وقد أديت للملك ما رأيته حظاوعلي(2) حقا والملك أعلاغنا(3) فيما استعان به، والسلام الأبدي فليكن على الملك، فلما تأمل الإسكندر عرف أنه الحق، وفرق القوم في الملك فسموا ملوك الطوائف ، وسار الإسكندر إلى الشرق فذلت له الملوك وبنى مدينة (أصبهان) و(هراة) و(سمرقند)، ولما وصل إلى الهند خرج ملكها في ألف فيل عليها المقاتلة وفي خراطيمها السيوف الهندية فلم تثبت خيل الإسكندر، فصنع فيلة من نحاس مجوفة وربط خيلهبأذنابها حتى ألفتها وملأها نفطا وكبريتا ثم ألبسها السلاح وجروها على العجل إلى ناحية العدو وبينها الرجال، فلما نشبت الحرب أمر بإشعال النار في أجوافها فلما اشتعلت تنحى الرجال عنها وغشيتها فيلة الهند فضربتها بخراطيمها فاحترقت فولت هاربة فكانت الدائرة على ملك (الهند)، ولما وصل الإسكندر إلى الماتكين(1) وهو من ملوك الصين خرج إليه الملك وأرسل يقول غلام: تفني(2) العالم أبرز إلي فإن قتلتني فأنت الملك، وإن قتلتك فأنا الملك، فتيمن الإسكندر بكونه بدأ بنفسه في ذلك(3) القتل فبرز إليه فقتله، ثم توغل في بلاد الصين إلى مقر ملكها الأكبر، وجرت لهما أخبار طويلة، اصطلحا فيها على مهادنات ومهادات، وعاد الإسكندر وقد دوخ البلاد، ودانت له الملوك فأقام ب(شهرزور) أياما واحتضر بها وكان مدة ملكه ستة عشر سنة، واختلف في عمره فقيل: ست وثلاثون سنة، وهو الأكثر وبين وفاته وبين الهجرة ستمائة سنة، وقيل: أكثر، ولما حضرته الوفاة كتب إلى أمه كتابا يسألها فيه أن تصنع وليمة تدعو نساء مملكته، ولا تأذن إلا لمن لم تصب بفقد عزيز من أهلها ففعلت ذلك فلم يدخل إليها أحد فعلمت أنه مات وأنه صنع ذلك تعزية، ثم أوصى أن يوضع في تابوت من ذهب ويطلى جسده بالأطلية الممسكة ويحمل إلى أمه بالإسكندرية، فلما فعل ذلك جمع أرسطاطاليس الحكماء وأمرهم أن يتكلموا بكلام يكون للخاصة معزيا وللعامة واعظا، كما فعل بالإسكندر الأول وكانوا عشرة.
صفحة ٧٦