أسكين ما ماء الفرات وطيبه ... مناّ على ظمأ وحبّ شراب
بالّذ منك وأن نأيت وقلّما ... ترعى النساء أمانة الغياّب
ثم قلت له: أنشدنا أنت شيئًا آخر، فأنشأ يقول: مجزوء الوافر
أبن لي أيها الطلل ... عن الأحباب ما فعلوا
ترى ساروا ترى نزلوا ... بأرض الشام أو رحلوا
فقال له رفيقي مجونا ولعبا: ماتوا. فقال: ويلك ماتوا؟ قال: نعم ماتوا. فاضطرب واحمرت عيناه وهم بالوثوب فتنحينا عنه فجعل يضرب برأسه الأرض ويقول: ويلك ماتوا. حتى هالنا أمره فانصرفنا عنه.
ثم عدنا بعد أيام فسألنا عنه صاحب الدير فقال: ما زالت تلك حاله إلى أن مات.
أخبرنا ابن دريد قال اخبرني أبو حاتم عن الأصمعي قال: تقول العرب: رجع فلان في حافرته ورجع أدراجه ورجع عوده على بدئه إذ إذا رجع في الطريق التي جاء منها.
قال: والنفير والجمع أنفار: الذين ينفرون في حوائجهم، في الغزو وغير ذلك. وأمّا قولهم: لا في العير ولا في النفير قيلت يوم بدر وجرى في الإسلاَم كلام بين يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وبين عمرو الأشدق فقال عمرو ليزيد: اسكت فلست في العير ولا في النفير. فقال يزيد لجلسائه: إن هذا الأحمق سمع كلمة فأحب أن يتمثل بها، ولم يحسن أن يضعها موضعها يقول لي: لست لم في العير ولا في النفير. وصاحب العير جدّى أبو سفيان، وصاحب النفير جدي عتبة بن ربيعة.
اخبرنا نفطويه عن ثعلب عن ابن الأعرابي في قول الشاعر: الرجز
ما للجمال مشيها وئيدا ... أجندلا يحملن أم حديدا
أم صرفانا باردا شديدا ... أم الرجال جثّما قعودا
قال: الصّرفان: الرصاص، وبعض أهل اللغة يقول: الصّرفان: الموت، وقال بعضهم في هذا البيت: التمر: الصّرفان نفسه، وأكثر أهل العلم على القول الأول. والشّنف: ما علق في الأذن من أعلاها. والقرط: ما علق في أسفلها. والعر: حلقة القرط. قال أبو القاسم: قوله مشيها خفضه على البدل من الجمال لأشتمال المعنى عليه. والتقدير: مالمشي الجمال وئيدا أي ثقيلا، ونصب وئيدا على الحال. 'والقبص: الجماعات كأنه جمع قابص بمنزلة ضارب وضرّ ب. وصائم وصوّم. والقبص بكسر القاف واسكان الباء: العدد الكثير من الناس.
اخبرنا أبو محمد إسماعيل بن النجم الشرابي قال: كنا في مجلس أبي العباس المبرد في يوم شديد البرد فمرّ بنا إسماعيل بن زرزور المغني وعليه غلالة قصب وكرحل ديباج وعلى رأسه منديل دبيقي وفي رلجه نعل صرّارة. فمرّ ولم يسلم فقال لنا المبرد: من هذا؟ فقلنا: ابن زرزور المغني فقال: اكتبوا:
غناؤك يكسبك التزنيه ... وصفعا وطردا من الأبنيه
وقذفك اجمل من أن تبرّ ... وشتمك أولى من التكنيه
فيوم ولادك لتعزيات ... ويوم حمامك للتهنيه
وأنشدنا غيره لابن بسّام: الكامل
سيان من بالصفع مكسبه ... أو من له بغنائه جزر
حالاهما في الصفع واحدة ... ما بين مكتسبيهما فتر
حدثنا نفطويه قال حدثنا الحنيني عن الحسين بن محمد عن شيبان عن قتادة في قول الله ﷿ وترى الشمس إذا طلعت تزّاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال قال: معناه تدعهم ذات الشمال وهم في فجوة منه لما قال يقول: في فضاء من الغار. قال أبو القاسم: أصل تزّاور تتزاور فأبدلت التاء الثانية زايا وأدغمت في التي بعدها فقيل تزّاور، والأزور: المائل. وفي تقرضهم أقوال، قال بعض أهل اللغة: معناه تدعهم ذات اليمين كما قال قتادة. وقال آخرون: تجاوزهم ذات الشمال وهو مذهب أبي عبيدة. قال: ويقال: هل مررت بمكان كذا وكذا؟ فيقول المسؤول: قرضته ليلا أي جاوزته ليلا. وأنشد غيره لذي الرمّة: الطويل
إلى ظَعنٍ يَقْرِضْنَ أجوازَ مُشْرِفٍ ... سراعا وعن أيمانهنّ الفوارسُ
وقال آخرون: تقرضهم ذات الشمال أي تعدل عنهم.
1 / 51