[الجزء التاسع من أخبار أبي علي الكوكبي]
الجزء التاسع من أخبار أبي علي الحسين بن القاسم بن جعفر الكوكبي، رحمه الله.
رواية أبي القاسم إسماعيل بن سعيد بن إسماعيل بن سويد، عنه.
رواية أبي جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن المسلمة، عنه.
رواية أبي القاسم هبة الله بن عبد الله بن أحمد الواسطي، عنه.
رواية أبي القاسم يحيى بن أسعد بن يحيى بن بوش، عنه.
سماعا ليوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي، عفا الله عنه.
بسم الله الرحمن الرحيم
أخبرنا أبو القاسم يحيى بن أسعد بن يحيى بن بوش الخباز، قراءة عليه، وأنا أسمع ببغداد في رجب من سنة سبع وثمانين وخمس مائة، وأنبا أبو القاسم هبة الله بن عبد الله بن أحمد الواسطي، قراءة عليه وأنا أسمع في جمادى الأولى سنة سبع عشرة وخمس مائة، أنبا أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسين بن المسلمة، في جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وأربع مائة، أنبا أبو القاسم إسماعيل بن سعيد بن محمد بن سويد المعدل، قراءة عليه، أنبا أبو علي الحسين بن القاسم بن جعفر الكوكبي، في يوم الجمعة لسبع خلون من رجب سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة، ثنا أبو محمد عبد الله بن عمرو البلخي، ثنا علي بن الحارث البصري، حدثني هيثم بن خالد الطويل، قال: دخلت يوما على صابح مولى منارة في يوم شات في قبة طارمة مغشاة سمورا وهي مفروشة بالسمور، وبين يديه كانون من فضة، وهو يوقد عليه بعود ثم مرت به شيات فرأيت صابحا على حمار، فكان يقف على الناس على الجسر، فيقول الرجل: أنا صابح مولى منارة، تصدق رحمك الله، فلا يعطيه كثير من الناس، فإن أعطاه إنسان أعطاه درهما، وكان أبو العتاهية قال فيه أيام نعمته في غيبة غابها:
أما والذي لو شاء لم يخلق النوى ... لإن غبت عن عيني لما غبت عن قلبي
يوهمنيك الشوق حتى كأنني ... أناجيك عن قرب وإن لم تكن قربي
ثنا أبو علي الكناني، حدثني أبو حاتم السجستاني، حدثني أبو زيد الأنصاري .....
وجه يحيى يدعو إلى البزق فيه ... غير أني أصون عنه بزاقي
وحدثني أبو حاتم، حدثني الأصمعي، قال: قلت لشيخ من أهل المدينة: من يقول:
عيني ابكي بعبرة وعويل ... واندبي إن ندبت آل الرسول
ستة كلهم لصلب علي ... قد أبيدوا وستة لعقيل
؟ قال أبي بقوله: قال الأصمعي: وكنت سمعتها من أبي عمرو بن العلاء، ثنا ابن أبي سعد، حدثني علي بن الحارثي البصري، حدثني أبو جودة الشاعر، قال: كنت جالسا مع أبي مسلم بن سعيد بن مسلم في الدار التي اشتراها في بني نمير في جناح إذ أقبلت سوداء على عنقها جرة قد ملأتها من حوض بني نمير وهي تغني .... لم أسمع أحسن منه، تقول:
حر حب وحر هجر وحر ... أي شيء من بعد هذا أمر
صفحة ١
فما سمعت شيئا قط أحسن من غنائها واستحسنت الشعر فحفظته، وما بقي منه لم يحفظه علي بن الحارث حدثنا ابن أبي الدنيا، حدثني محمد بن الحسين، حدثني رستم بن أسامة، حدثني إبراهيم بن رستم الخياط، جليس لأبي بكر بن عياش، عن أبي بكر، قال: قال لي رجل مرة وأنا شاب: خلص رقبتك ما استطعت في الدنيا من رق الآخرة، فإن أسير الآخرة غير مفكوك أبدا، قال أبو بكر: فما نسيتها بعد (1) -[0] حدثنا ابن أبي سعد، حدثني محمد بن إسحاق المسيبي، حدثني القاسم بن محمد بن المعتمر، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عمه موسى بن طلحة، قال: كان بيني وبين رجل من بني عبد شمس خصومة إلى مروان، فكنت إذا اجتمعت أنا وهو عند .... رأى أن الحق حقي فوجه إلي القضاء، فإذا خرجت من عنده، صرفه أهل بيته عن ذلك فأعود إليه، وقد حال داؤه، فيتعاود الخصومة فيرى أن الحق حقي فيصدر إلى القضاء ويخرج من عنده فيصرفه عن ذلك أصحابه فخرجت من عنده يوما، فلقيت عبد الله بن الزبير، فقال: من أين يا ابن أبي محمد؟ فقلت: من عند مروان، قال : ما لك وله والدخول عليه؟ فحدثته بحديثي وحديث خصمي، فقال: أنا حاضر معك غدا، فلما كان من الغد حضرت باب مروان، فإذا أنا بابن الزبير قد حضر وخرج أذنه فنظر من بالباب، ودخل إليه فأخبره، ثم خرج، فقال: قم يا أبا بكر فقام ابن الزبير ثم أذن لنا فدخلنا عليه، فإذا ابن الزبير معه على الفراش، فجلست بين يديه أنا وخصمي فقام ابن الزبير فجلس معنا، فقال: " يا مروان هذا ابن أبي محمد، فلعن الله قاتل أبي محمد "، قال: فقال مروان: ورحم الله قاتل الزبير، قال: فقال: أترحم على قاتل الزبير؟ قال: فيلعن قاتل أبي محمد؟ قال: فقام كل واحد منهما إلى صاحبه، قال: وقمت فدخلت بينهما فأقبلت على ابن الزبير، فقلت: سبحان الله شيخ قريش وعابدها يخرج إلى هذا؟ قال: فيترحم ابن الزرقاء على قاتل الزبير، قال: فأقبلت على مروان، فقلت: سبحان الله أنت الأمير ولك سن في قومك أما تستحي من هذا؟ قال: فيلعن ابن العوام قاتل طلحة؟! قال: فوالله إن زلت أدفع هذا عن هذا حتى فرقت بينهما وكل واحد منهما ينازل صاحبه، وظننت أن الذي حمل ابن الزبير على ما فعل شيء كان .... أبا بكر أكان بلغك عني شيء؟ قال: لا، قال: فما أخرجك إلى هذا وأنا أشكو إليك ظلمة ما تراه وصانعا بعد هذا؟، فقال: وما علمك أنت بهذا؟ فانصرفت، فلما كان من الغد حضرت، فإذا ابن الزبير قد حضر فخرج حاجب مروان، فنظر من بالباب فدخل إليه ثم خرج، فقال: قم يا أبا بكر، قال: فدخل ثم أذن للخصوم، قال: فدخلت أنا وخصمي فجلسنا بين يديه، فأقبل مروان علينا، فقال: إني قد نظرت في هذا الأمر، فإذا الحق حق ابن طلحة، أشهد أني قد قضيت له به، قال: فلقيت ابن الزبير فقال: ألم أقل لك إني أعلم بمعاملة قومي حدثني أبو إسحاق البصري، حدثني أبو الحسن على بن الصباح، نا أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب، عن عوانة بن الحكم، قال: كان عبد المطلب إذا ورد اليمن نزل على عظيم من عظمائهم فنزل في بعض ما كان، فنزل فوجد عنده رجلا كبيرا قد أمهل له في العمر، فقد قرأ الكتب، فقال الرجل: يا عبد المطلب ائذن لي في أن أفتش مكانا منك، فقال: ليس كل مكان مني آذن في تفتيشه، قال: إنما هما منخراك، قال: فدونك، فنظر إلى شعر في منخريه، فقال: أرى نبوة وملكا وأرى أحدهما في زهرة، فرجع عبد المطلب فتزوج هالة بنت وهيب بن عبد مناف، فولدت له أبا النبي صلى الله عليه وسلم قال: فقال له ذلك الثاني الذي كان ينزل عليه: يا أبا حارث ألا تغير ما أرى من بياض رأسك ولحيتك؟ قال: بلى، فأمر بحناء فخضب به ثم علا بالوسمة فلما أراد عبد المطلب الانصراف زوده وسمة وحناء، فلما دنا عبد المطلب من مكة اختضب ودخل مكة، فقالت امرأته نتيلة: ما أحسن هذا السواد لو كان يدوم، فأنشأ عبد المطلب، يقول:
ولكن بديلا من شباب قد انصرم
تمتعت منه والحياة قصيرة ... ولا بد من موت نتيلة أو هرم
وما ذا الذي يغني عن المرء خفضه ... وزينته يوما إذا عرشه انهدم
فموت جهيز عاجل لا شوى له ... لعمري خير من مقالتهم حكم
قال: وكان عبد المطلب لا يسافر سفرا إلا ومعه ابنه الحارث، وكان أكبر ولده، وكان شبيها به جمالا وحسنا، فأتى اليمن وكان يجالس عظيما من عظمائهم، ويجلس معه الحارث، وكان عبد المطلب لا يكاد يشرب تنزيها عنه، حين طعن في السن، فقال الحميري: يا أبا الحارث لو أمرت ابنك هذا يجالسني وينادمني، فإني أسر بذلك، فكان عبد المطلب لا ينهاه عن ذلك، فعشقت امرأة الحميري الحارث فراسلته، فأبى عليها، وألحت عليه، فبعث إليها:
لا تطمعي فيما لدي فإنني ... كرم منادمتي عفيف مئزري
أسعى لأدرك مجد قوم سادة ... عمروا فطفن البيت عند المشعر
فافني خيالا واعلمي أني امرؤ ... أربي بنفسي أن يعير معشري
إني أذن لخلوتي أو كنيتي ... أو أن يقال صبا بعرس الحميري
، وأخبر أباه بذلك ، وكان عند الملوك سم ساعة، وسم يوم، وسم شهر، فلما يئست منه سقته سم شهر، فارتحل عبد المطلب، حتى إذا كان بمكة مات الحارث، فجزع عليه عبد المطلب فأنشأ يقول:
سقى الإله صدى واريته ظهرا ... ببطن مكة يعفوه الأعاصير
. من مريرته بالخير مذكور
يا حارث الخير قد أورثتني شجنا ... فما لقلبي عن ذكراك تغيير
فلست أنساك ما هبت شآمية ... وما بدا علم في الآل معمور
صفحة ١
قد كنت عزا وزينا لي أؤمله ... في النائبات وفي الأيام تفسير نقلت عن سلمة، عن الفراء والكسائي، قال: العرب لا بد لها في القسم من جواب، وربما حذفت الجواب، فمما حذفت الجواب قوله:
فقلت لها والله يدري مسافر ... إذا أضمرته الأرض ما الله صانع
، معناه لا تدري، ومنه قول أبي طالب:
كذبتم وبيت الله يبري محمد ... كما نقاتل دونه ونقاتل
ولا نسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل
، معناه كذبتم وبيت الله لا يبرئ محمد و... يغلب ونقهر حدثنا ابن أبي سعد، حدثني أبو محمد بن رجاء أبو الهيثم الغنوي، حدثني كليح بن الحسن بن الصقر الغروي، قال: وفد رجل من قيس بن ثعلبة على هوذة بن علي ذي التاج فحجبه الحاجب، لعله وجدها هوذة، فعافت نفس القيسي الوقوف على بابه فانصرف، وهو يقول:
فلج الثنايا بنو قيس إذا حجبت ... شكوا الحجاب بأطراف الجوابات
إن تحجبونا فإنا سوف نحجبكم ... حسن الثنايا بأسياف مصيبات
قال: فنما .... إلى هوذة، فأرسل إلى الحاجب، وكان عبدا نوبيا فلحاه وضربه، ثم أرسل معه مائة ناقة إلى القيسي، فلما وردت عليه، قال له: إن قومي قد عزلوني في انتجاعي صاحبك، وقد جمعوا لي من أموالهم ما فيه غناء، فلي بما جمعوا مندوحة عنه، وقد أعتقتك ووهبت لك هذه المائة فارجع إلى صاحبك حدثنا أبو العباس الهروي، ثنا أسد بن النوشجاني، قال شبيب بن شبيبة، قال خالد بن صفوان: دخلت على يزيد بن عبد الملك فرأيته متغير النفس، فقلت: يا أمير المؤمنين ما لي أراك متغيرا فلقد أصبحت رخي البال مالكا للأمور قادرا عليها، قال: ويحك يا خالد أنا مشغوف بالنساء ودخلت على عشرين ومائة جارية، كل عشر من جنس فما هششت لواحدة منهن، أما في هذا ما يكسر من بالي، ويغض من حالي؟ قال خالد: فقلت له: يا أمير المؤمنين أفلا أصف لك النساء؟، فلعلك أن تتحرك، قال: هات، قلت: أحسن النساء الزجاء الدعجاء الخدلجة اللقاء التي فرعها كالعناقيد، وثغرها كالإغريض، وعنقها كالإبريق، لها ثديان كأنهما حقان، ومتنان مجدولان كأنهما عنان، كفلها مجثم، ومجثمها جهم، بنانها غنم، ووجهها صنم، طيبة الأعطاف قليلة الخلاف، رقيقة العصب مدمجة اللحم، مطوية الشحم، لا سمينة منفوخة، ولا مهزولة ممسوخة، ولا طويلة سمجة، ولا قصيرة جرجة، بل معتدلة غنجة، إن برزت شهرت، وإن حدثت قتلت، وإن اضطجعت نجزت، حتى كأنها سكرت وما شعرت، فنهض يزيد بن عبد الملك فأبطأ عنا ساعة ثم خرج إلينا ورأسه ولحيته يقطران من الماء فقال: لله أنت يا ابن صفوان من أين علمت هذا وكيف تعلم أنها إذا اضطجعت نجزت؟ قال خالد: يا أمير المؤمنين إني قد تزوجت في كل بلدة وملكت كل جنس فلم أر ذلك إلا في المدينيات، قال: فإذا الجارية التي خرج من عندها مدينية ثم داعبها فكانت حيث تسمع كلامنا، فقالت: يا أمير المؤمنين من بعثك على الدخول علي بعد هذا الزهد فيما لدي، قال: هذا بعثني، قالت: يا أمير المؤمنين وما قال لك؟ قال: يا خالد أسمعها، قال: يا أمير المؤمنين لا يحسن ولكن إن كان فيها ما في هذا البيت فهي هي؟
هي شمس وريحها ريح مسك ... وعبير وعنبر ومدام
قالت: يا أمير المؤمنين ........ حدثني أبي، قال: استقضى بعض أمراء المدينة عثمان بن طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر، فامتنع عليه في ذلك فأشرف عليه يضرب بالسياط، فلما رأى ذلك ... حتى استوجب بزق عشرة أشهر، قال: وقدم المهدي المدينة حاجا، فدخل عليه عثمان بن طلحة، فسأله أن يعزله عن القضاء، فقال: ليس إلى ذلك سبيل، قال عثمان: يا أمير المؤمنين، والله لو علمت أن ملك الروم يجيرني ولا يمنعني من الصلاة وديني لاستجرت به، قال المهدي: وإنك لعلى ما قلت، قال: والله إني لعلى ما قلت، قال: فإني قد عزلتك فاقبض ما لك عندنا من الرزق، قال: والله ما بي عنه غنى ولكن كان لي نظراء وأشباه يكرهون من هذا العمل ما أكره ثم أكرهوا عليه فدخلوا فيه فلما عزلوا كرهوا العزل، فلم أجد معناهم في كراهتهم العزل إلا هذا الرزق فلذلك كرهت أخذه. أنشدنا أحمد بن عرفة المؤدب لبعضهم:
لو كنت لحما كنت لحم كلب ... أو كنت نارا لم تحل في عطب
أو كنت ماء لم تسع لشرب ... أو كنت سيفا كنت غير عضب
وأنشدني في مثله:
لو كنتم شيئا لكنتم نقدا ... أو كنتم لحما لكنتم غددا
أم كنتم قولا لكنتم فندا ... أو كنتم ماء لكنتم زبدا
أو كنتم صوفا لكنتم قردا
قال الكوكبي: أنشدني ضده:
لو كنت ليلا من ليالي الدهر ... كنت من البيض وفاء النذر
غراء لا يشقى بها من تسري
أو كنت ماء كنت غير كدر ... ماء سماء في صفا ذي صخر
أظله الله بعيص سدر ... فهو شفاء لغليل الصدر
العيص أصل كل شيء وهو ها هنا أصل السدر. أنشدني أحمد بن عرفة الأعرابي:
لو كنت ريحا كانت الدبورا ... أو كنت مخا كنت مخا ريرا
رير ورار ورور نادرة أخبرناه تغلب، عن سلمة، عن الفراء:
صفحة ١
لو كنت ماء لم تكن طهورا أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد البصري، ثنا علي بن الصباح، عن الكلبي، عن عوانة، قال: لما ولد الحجاج امتنع من الرضاع فخرج به أبواه يلتمسان مرضعا، فيلقاهما شيخ في صورة متطبب يعرفانه، فسألهما عن حاله فأعلماه .... أن يذبحا له شاة يولغانه في دمها، فذبحا له شاة فولغ في دمها، ثم قبل من مرضعته، فأتيا من الغد المتطبب الذي يعرفانه ببر قد أعد له، فلم يعرف السبب في ذلك فقصا عليه القصة، فقال: ما لقيتكما ولا حكمت لكما مما تقولان شيئا، فيقال: إنه كان إبليس حدثنا أبو العباس الهروي، أنبا الرياشي، عن العتبي، عن أبيه، قال: كتب .... عبد الملك يا أمير المؤمنين إن شيطانا خلا بي، فقال: أطعت عبد الملك فسفكت الدماء بغير حلها، وأخذت الأموال من غير حقها، فدحرت ذلك الشيطان وأخسأته، وأحببت إعلام أمير المؤمنين من سر أمري مثل الذي علم من عياني، فكتب إليه عبد الملك، إن ملكا خلا بي، فقال: أطلقت يدي الحجاج فأخذ المال من غير حله، وسفك الدم من غير حقه، وإني شاورت ذلك الملك فأشار علي بقتلك وأنا أستخير الله في طاعته، فلما ورد الكتاب على الحجاج التفت إلى أصحابه، ثم قال: انظروا ما يصنع التكلف بأهله، ثم قال: علي بأغلظ قلم وأدق قلم، فأتي بهما فجعل إذا جرى ذكر عبد الملك كتبه بالقلم الغليظ، وإذا جرى شيء من ذكره كتبه بالقلم الدقيق حتى أنجز الكتاب، قال العتبي: فخبرني مخبر أن الكتاب نهب في نهب ابن زبيدة حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى الشيباني بتغلب قال: رأى سعيد بن وهب في طريق مكة على رمل وهو يعتسفه وينشد:
قدمي اعتورا رمل الكثيب ... واطرقا الآجن في ماء القليب
رب يوم رحتما فيه إلى ... لذة الدنيا وفي واد خصيب
وسماع حسن من محسن ... صخب المزهر كالظبي الربيب
فاحسبا ذاك بهذا واصبرا ... وخذا من كل عيش بنصيب
إنما أبكي لأني مذنب ... ولعل الله يعفو عن ذنوبي
قال: ولسعيد بن وهب في حاضنته كانت لبعض أولاد الهاشميين، يقال لها: رخاص قد كانت رأته يقبل الصبي التي هي حاضنته فزجرته، فقال:
. عشرا أغارت عليك رخاص
صفحة ١
فاقتص عشرا بعشر إن الجروح قصاص حدثنا أبو الفضل الربعي، حدثني أبي، حدثني بعض أصحابنا الهاشميين، قال: سألت إسحاق بن سليمان بالبصرة عن سبب حبس الرشيد له وإطلاق محمد له في خلافته، قال: وشى بي حاسد إلى الرشيد فخبره بأنه سمعني وأنا أقول: إذا مضت سنة أربع وخمسين ومائتين للهجرة، ضعفت دولتنا حتى يطمع فيها من لم يكن يطمع، فلا تزال تزداد ضعفا حتى تمضي سنة سبعين ومائتين للهجرة ثم تتراجع قوتها وجدتها، فدعاني، فقال: لم تخرج أسرارنا وأسرار دولتك؟ لست أعاقبك بأكثر من الحبس، فأمر بحبسي، فلما ولي محمد بعده أمر بإطلاقي، وتقدم أن لا أقيم في جواره حدثنا أبو علي محرز الكاتب، قال: سمعت أبا محمد الحسن بن مخلد، يقول: أنبا مسلم بن جميل، وكان يحزن للبرامكة، قال: لما قتل جعفر بن يحيى نظر إليه دقاقه قتيلا فقال: كان والله يا أمير المؤمنين يجهل قدر النعم على بعض العرب، وعصبية على النسب، فقال له الرشيد: أين كانت للآخر من كلامك إنها للمقدمة عندك، ثم أقبل على العباس بن محمد، فقال: قل فيه يا عم، قال: يا أمير المؤمنين وما عسى أن أقول فيه؟ عبد غرته نعمتك بغير شكرك فأذاقه الله بأسك، فأقبل على علي بن سليمان، فقال: قل فيه: فذكرت أعرف خاصتك به وموقعه منك، قال: كان ذاك يا أمير المؤمنين وهو صفوة نفسك ومصون أنسك، فلما غمط النعم توطأته النقم حدثنا الفضل بن الحسين الأهوازي، أنبا محمد بن الحكم السلولي، أخبرني أبي، قال: كتب علي بن عيسى بن ماهان إلى الرشيد أنه وجد الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك قد عمر بيوت النيران بخراسان وأقام لها السدنة، ووكل بها المهنة، ورمى بالكتاب، فلما قرأه التمع لونه، فقال له الرشيد: لا عليك فإن علمي بيان بما طالب، يذهب عنك مكروه ما كتبت، فاكتب إليه كتابا يجمع في حاشيتيه تأنيب المتعطف وإيعاد المتوقف، فقال جعفر: والله يا أمير المؤمنين ما أدري على أي النعمتين أقدم الشكر، على علمك أم على أدبك، ثم دعا بدواة وقرطاس، وكتب إليه: حفظك الله أبا يحيى وحبب إليك الوفاء فقد أبغضته، وبغض إليك الغدر، فقد اجتبيته، إني التمست عند قراءة كتابك شيئا أشبهك به، فلم أجده فرجعت إليك فشبهتك به، وبعد، فإن تجر المقادير في أمرك بما تحب لم تعد ما تجمل، فلما أصلح الكتاب عرض على الرشيد فلما رأى ذلك الاقتضاب السريع والمعنى القريب استحسنه وتبسم، وأنشأ يقول:
من يذقن أمرا أنت فوق مرادهم ... تباع وهل يسطاع مس الكواكب
وأنفذ الكتاب إلى علي بن عيسى وكتب إليه بخبر المجلس وما دار فيه فقال: من يدافع السيل عن دره ليس للملك المقبل حيلة إلا الموافقة إلى أن تنقضي حدثنا الحسين بن الفهمي، أخبرني ابن أبي فاطمة ما كان في ناحية الظاهر هو وأبوه وولاؤهم لبني هاشم، قال: قال عبد الله بن طاهر: إن لكل شيء حياة وموتا فمما يحيي اللب محادثة الأولياء، وما يحيي الود محادثة الأوداء، ومما يحيي العز مظافرة الأعزاء، ومما يحيي الذل مظاهرة الأذلاء، ومما يحيي الشجاعة مصاحبة الشجعاء، ومما يحيي الكرم مواصلة الكرماء، ومما يحيي الحياء مناقبة أهل الحياء، ومما يحيي اللؤم معاشرة اللئام أخبرنا العنزي، ثنا دماذ، قال: كتب خلف الأحمر على الأسطوانة التي يجلس إليها:
صلى الإله على لوط وشيعته ... أبا عبيدة قل بالله آمينا
فقرأه أبو عبيدة فترك الجلوس بالمسجد حدثني أبو محمد الحدادي، حدثني خالي أبو هفان، قال: قال أبو الأصبغ بن ربعي الهذلي: طلبت أنا وأبي بن غصن وصباح بن خاقان ويحيى بن الأرقط وابن كهل وعبيد العاشقين مؤاجرا فأتينا بأبي نواس، فإذا غلام أحسن الناس وجها، وأملحهم قدا، يتثنى فشارطناه على ثلاثة أيام بدينار، ومضينا به فظللنا يومنا في سرور وطيب حتى إذا كان يوم الثالث جاء أعرابي إلى صباح يستحمله في حماله وعليه عمامة كأنها فسطاط، فخاف أبو نواس أن يحمل عليه فانحدر إلى البصرة، وانحدرنا بعده فجلسنا إلى باب أبي عمرو بن العلاء، فإذا بأبي نواس قد أقبل، فقلنا له: ويحك ما صنعت بنا؟ فقال: علي يومكم وقد قلت شعرا، فما كنا فيه، وما قلت شعرا قبله، وأنتم علماء هذا الشأن، فقلنا: وما قلت؟ قال:
كنت في قرة عيني ... مع أبي وحصين
وابن كهل وابن خاقان ... النجيب الأبوين
والفتى الأرقط يحيى ... وعبيد العاشقين
وابن ربعي الفتى السمح ... الجواد الراحتين
عندنا الصهباء صرفا ... في قوارير اللجين
ونداماى سادة ... كلهم زين لزين
ونغني حين نلهو ... لغريض وحنين
إذ أتى الله بأحد ... وكأحد مرتين
بفتى فظ غليظ ... ساقه الله لحيني
صفحة ١
ذاك من شقوة جدي ... بين إخواني وبيني حدثنا الغزي، ثنا المازني، أنبا يزيد بن معمر، قال: دخل رجل على سلم بن قتيبة في حاجة له فوضع قائم سيفه على إصبع سلم، واتكأ بالسيف على إصبعه، وسلم منصت لا يشعر وقد جرحه، فلما فرغ دعا بمنديل فمسح الدم فقيل له ألا نحيت رجلك؟ قال: كرهت أن أقطعه عن حاجته حدثنا القاسم، عن الأصمعي، قال: كان هشام بن عبد الملك، قد ضم سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن عبد الصمد بن عبد الأعلى مؤدب ولده، فعبث عبد الصمد بسعيد فدخل سعيد على هشام، فأنشأ يقول:
إنه والله لولا أنت لم ... ينج مني سالما عبد الصمد
فقال هشام: ولم ذاك؟ قال:
إنه قد رام جهلا خطة ... لم يرمها قبله مني أحد
، قال: وما ذاك؟ قال:
رام جهلا بي وجهلا بأبي ... يدخل العصفور في خيس الأسد
، فقال هشام: ليس ذاك ولا كرامة حدثنا أبو النضر إسماعيل بن ميمون، أنبا الليث بن مسعود، أنبا إسماعيل بن موسى الكرماني، قال: اجتمع أربعة حكماء؛ صاحب كسرى وصاحب قيصر وصاحب ملك الهند وصاحب ملك السند، فقالوا: تعالوا حتى ندبر كلام حلم يزداد به الحكيم حكمة، ويرتدع به الجاهل عن جهله، فقال صاحب كسرى: أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت، وقال صاحب قيصر: إني قد ندمت على ما قد قلت غير مرة، ولم أندم على ما لم أتكلم به، قال صاحب الهند: أنا إذا تكلمت بالكلمة ملكتني ولم أملكها، قال صاحب السند: عجبت لمن تكلم بكلام إن سكت عنه لم يضره وإن تكلم به لم ينتفع حدثنا منصور بن يحيى بن الشبل، أنبا المازني، عن الأصمعي، قال: قال صالح بن كيسان: أيكم ينشدني بيتا نصفه مخنث يتفكك ونصفه أعرابي في شملة بالبادية؟ قلنا: ما نعرفه، قال: قبحكم الله أما سمعتم قول جميل:
ألا أيها الركب النيام ألا هبوا
فهذا أعرابي في شملة، ثم قال:
نسائلكم هل يقتل الرجل الحب
فهذا مخنث بالعقيق يتفكك؟ وقال لنا: أما علمتم أن النابغة كان مخنثا؟ قلنا: وما علمك؟ قال:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتقتنا باليد
لا والله ما عرف تلك الإشارة إلا من خنث. وقال يوما: هل علمتم أن عامر بن جوين كان أحمق؟ قلنا: وكيف ذاك؟ قال: أما سمعتم إلى قوله:
فما بيضة بات الظليم يحفها ... إلى جؤجؤ دان بميثاء حرمله
بأحسن منها يوم قالت ألا ترى ... تبدل خليلي إنني متبدله
؟ فما أعجبه منها وهي تقول هذه المقالة لولا أنه أحمق. أنشدني ابن أبي الوفاء الخزيمي:
لذكراك أحلى في الفؤاد وفي الحشا ... من الشهد بالعذب الزلال المبرد
على أن بين السحر والنحر جمرة ... متى ما أهيجها بذكراك توقد
فقدتك فقد الطفل أما حفية ... على صرع منه وحدثان مولد
دعاها فلما استعجمت عن جوابه ... أحال على ثدي لأخرى مجدد
فأنكره فارتاع يلمس أمه ... وبات له ليل السليم المسهد
أنشدني أبو الفضل الأصبهاني:
هل الوجد إلا أن قلبي لو دنا ... من الجمر قيد الرمح لاحترق الجمر
أفي الحق أني مغرم بك هائم ... وإنك لا خل هواك ولا خمر
وأنشدني لأبي العتاهية:
أرقيك أرقيك بسم الله أرقيكا ... من بخل نفسك لعل الله يشفيكا
ما سلم نفسك إلا من يتاركها ... وما عدوك إلا من يرجيها
آخر الجزء التاسع. ومما قرئ على ابن سويد، عن الكوكبي أيضا، كتب بعض الأصدقاء إلى صديق له محبوس:
فلعمر الإله لو كان للسيف ... مساغ وللسان مقال
صفحة ٢
ما تناسيتك الصفا ولا الود ... ولا حال دونك الانشغال
صفحة غير معروفة