الأجوبة الكافية عن الأسئلة الشامية
الناشر
مطبعة السعادة بمصر
تصانيف
صفحة غير معروفة
1 / 2
1 / 3
1 / 4
(١) (قوله والأدلة إلخ) قال أبو عبد الله عمرو بن عثمان المكي كل ما توهمه قلبك أو سنح في مجاري فكرك أو خطر في معارضات قلبك من حسن أو بهاء أو أنس أو ضياء أو جمال أو شبح أو نور أو شخص أو خيال فالله ﷿ بخلاف ذلك كله هو أجل وأكبر وأعظم ألا تسمع لقوله تعالى: ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾ وقال: ﴿لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد﴾ وقال العلامة المحقق أحمد بن المبارك في كتاب الإبريز مما تلقاه عن شيخه صاحب الكشف الصحيح والحق الصريح القطب الدباغ سيدي عبد العزيز - نفعنا الله بأسراره - ما نصه: إنما تنزه جل وعلا عن أن يشبه بشيء من المخلوقات؛ لمخالفته جل شأنه لما يصوره الفكر؛ لأن الفكر لا يصور إلا ما هو مخلوق له تعالى فكل ما في الفكر له مثل، والله لا مثل له، فقلت له: إن الفكر يصور إنسانا مقلوبا يمشي على رأسه، فقال ﵁: والله لقد شاهدته يمشي كما تصوره الفكر ويده ساترا بها فرجه بمنزلة الحجاب له ولا يزيلها إلا إذا أراد قضاء حاجته من حدث أو جماع، ولقد جلست يوما مع سيدي محمد بن عبد الكريم البصري فقال لي: تعال نصور في أفكارنا أغرب صورة، ثم ننظر في مخلوقات الله تعالى أهي موجودة أم لا، فقلت له: صور ما شئت، فقال: نصور مخلوقا يمشي على أربع وهو على صورة جمل وظهره كله أفواه وعلى ظهره صومعة على لون مخالف للونه صاعدة إلى فوق وفي رأسها شرافات من شرافة منها يبول ويتغوط، ومن شرافة أخرى يشرب وبين الشرافات صورة إنسان برأسه ووجهه وجميع جوارحه، فما فرغ من تصويره حتى رأينا هذا المخلوق ومنه عدد كثير، وإذا بالذكر منه ينزو على الأنثى فتحمل منه وفي عام آخر تنزو عليه الأنثى بأن ينقلب الحال فيرجع الذكر أنثى، والأنثى ذكرا وهذا من أغرب ما يسمع والله أعلم ا. هـ وإلى ما سبق أشار بعض العارفين بقوله: حقيقة المرء ليس المرء يعرفها ... فكيف معرفة الجبار في القدم وقوله: إن الفكر يصور إنسانا إلخ أي ذاتا من غير نوع الإنسان تكون على الهيئة المذكورة حتى لا ينافي أن صورة الآدمي هي أشرف الصور فلا تكون على هذا القلب كما سيأتي إن شاء الله تعالى
1 / 5
1 / 6
(١) قوله: ما حقيقة السماء إلخ اعلم أن السؤال عن أمثال هذه الأشياء المغيبة عنا التي لم يكلفنا الله بمعرفة تفاصيلها ولم يطلع عليها إلا الخاصة من خلقه سؤال عما لا يعني؛ ولذا نسب لقس بن ساعدة: علم النجوم على العقول وبال وطلاب شيء لا ينال ضلال ... ماذا طلابك علم شيء أغلقت من دونه الأبواب ليس ينال وكذا لما سأل بعض الصحابة ﵃ عن سبب اختلاف الأهلة أجابهم تعالى بغير ما سألوا عنه، وقد كثرت في هذه العصور طوائف متشبهة بالمسيحيين زاعمين بذلك إدراك التقدم في الدنيا والدين خدعة من أنفسهم الخبيثة وإبليس اللعين، فأضلوا دينهم وما أدركوا دنيا الأروبويين فأضحوا كالغراب الموصوف بقول بعض أولي الألباب: حسد القطا وأراد يمشي مشيها ... فأصابه ضرب من العقال فأضل مشيته وأخطأ مشيها ... فلذلك سموه أبا المرقال فلما أصبحوا منقطعين وارتدوا على أدبارهم خائبين اقتصروا على آراء من نشئوا منهم طبيعيين، وأصبحوا لنقض عرى الإسلام والمسلمين بالمرصاد، كما قال ابن جبير الأندلسي: قد ظهرت في عصرنا فرقة ... ظهورها شؤم على العصر لم تقتد في الدين إلا بما ... سن ابن سينا وأبو نصر نعم إِنْ مَنّ الله على بعض عباده العارفين بإطلاعه على شيء منها فنقبل خبره على الرأس والعين حيث لم يصادم قواعد الدين كما نقل صاحب الإبريز عن سيدي عبد العزيز "أول ما خلق الله نور سيدنا محمد ﷺ، ثم خلق منه الحجب السبعين وملائكتها والأرواح والبرزخ والعرش، وجعله ياقوتة عظيمة لا يقاس عظمها، وخلق وسط الياقوتة جوهرة فصار مجموع الياقوتة والجوهرة كبيضة بياضها الياقوتة وصفارها الجوهرة، ثم إن الله تعالى أمد تلك الجوهرة وسقاها بنوره ﷺ فجعل يخرق الياقوتة ويسقي الجوهرة مرة بعد مرة حتى بلغ سبع مرات، فسالت الجوهرة ورجعت ماء، ونزل إلى أسفل الياقوتة التي هي العرش فخلق من صفاته ملائكة ثمانية وهم حملة العرش، وخلق من ثقله الريح وله قوة وجهد عظيم فأمره أن ينزل تحت الماء فسكن تحته فحمله ثم جعل يخدم والبرد يقوى في الماء فأراد أن يجمد ويرجع إلى أصله فجعلت الرياح تكسر شقوق ما تجمد منه فجعلت تلك الشقوق تتعفن ويدخلها الثفل والنتونة وشقوق تزيد على شقوق وتكبر وتتسع، وذهبت إلى جهات سبع فخلق الله منها الأرضين السبع ودخل الماء بينها والبحور، وجعل الضباب يتصاعد من الماء لقوة جهد الريح ثم جعل يتراكم فخلق الله منها السماوات السبع، ثم جعلت الريح تخدم خدمة عظيمة على عادتها أولا وآخرا، فجعلت النار تزيد في الهواء من قوة حرق الريح للماء والهواء، وكلما زندت نار أخذتها الملائكة وذهبت بها إلى محل جهنم اليوم فذلك أصل جهنم فالشقوق التي تكونت منها الأرضون تركوها على حالها والضباب الذي تكونت منه السماوات تركوه على حاله، والنار التي زندت في الهواء أخذوها إلى المحل السابق؛ لأنهم لو تركوها لأكلت الشقوق التي منها الأرضون والضباب الذي منه السماوات، بل تشرب الماء لقوة جهد الريح، ثم خلق من نوره ﷺ ملائكة الأرضين والسماوات وأمر كلا أن يعبده الأولون في السماوات والآخرون في الأرضين، ومن فتح الله عليه أطلعه على ذلك كله فأول ما يشاهد الأجرام الترابية على التدريج فيشاهد أولا الأرض التي هو فيها ثم بحورها ثم يخرق نظره تخومها ثم ما بينها وبين الأرض الثانية ثم تخوم الثانية وهكذا إلى السابعة فيرى كيف يخرج من أرض إلى أخرى، وما تمتاز به عن أختها والمخلوقات التي في كل منها، ثم يشاهد الجو الذي بينه وبين السماء والأرض، ثم السماء الأولى، وهكذا إلى السابعة على نحو ترتيب الأرضين فيشاهد الأفلاك ونسبتها من السماوات وكيف وضع النجوم التي فيها وكشف سير الشمس والقمر والنجوم ثم يشاهد البرزخ والأرواح التي فيه ا. هـ فأخذنا من كلام هذا العارف ﵁ سير الشمس والقمر والنجوم دون الأرض وانفصال كل من السماوات بعضها عن بعض كالأرضين كما هو ظاهر قوله تعالى ﴿كانتا رتقا ففتقناهما﴾ أي بعض كل عن بعضه، وأن الكل معمور بخلق الله تعالى وكون السماء أصله من الضباب لا يلزم منه بقاؤه على أصله كما أن آدم أصله من تراب ولم يبق على أصله فلم يلزم رجوعه لقول الفلاسفة وأهل الهيئة الحديثة الآتي؛ ولأن قوله: لو بقيت النار لأكلت الضباب ما ذاك إلا لكونه تحول عن أصله، والأدلة على الكثافة قد أطنب المؤلف في نقلها كما ستأتي إن شاء الله تعالى.
1 / 7
1 / 8
1 / 9
1 / 10
(١) قوله: كرويتين إلخ هذا المبحث لم يزل اختلاف العلماء - سنية وغيرهم - فيه قديما وحديثا وكل يقيم أدلته على ذلك، والمسألة كما قال الشيخ ليست من علوم الدين، وعثرنا على كلام لمستكشف كاملي الإيمان سيدي عبد العزيز الدباغ لا بأس بذكره، قال في الإبريز: إن السماء محيطة بالأرض، وكل سماء محيطة بما في جوفها والعرش محيط بالجميع، وقال في موضع آخر منه: إن الجنة والنار خارجتان عن كرة السماوات السبع والأرضين السبع، فأنت تراه يؤخذ من عبارتيه كرويتها، وهو عدل في قوله، فزيادته مقبولة، وكما يؤخذ مما سيذكره الشيخ في مبحث لون السماء عن إياس بن معاوية والقاسم بن أبي برة عند معارضة الرازي (٢) قوله: بذاته وروحه إلخ، ومن كتاب الإبريز عند تكلمه على حديث "أنزل القرآن على سبعة أحرف" ما نصه: قضية الإسراء والمعراج وبلوغه ﵊ إلى ما بلغ، ثم رجع في مدة قريبة كل ذلك من عمل الروح حيث أمدت الذات بقوة السريان التي فيها صارت تقدر على ما تقدر عليه الروح، ومن ذلك رؤيته من خلفه كرؤيته من أمامه كما قال ﵊ لأصحابه ﵃: "أقيموا ركوعكم وسجودكم فإني أراكم من خلفي كما أراكم من أمامي" فهذا هو سر الحديث وذلك أن من أجزاء الروح السبعة قوة السريان وهي عبارة عن إقدار الله تعالى لها على خرق الأجرام والنفوذ فيها فتخرق الجبال والجلاميد والصخور والجدران وتغوص في ذلك وتذهب فيه حيث شاءت، وإذا سكنت الروح في الذات وأحبتها واصطحبت معها أمدتها بهذه القوة، فتصير الذات تفعل ما تفعله الروح، ومن ذلك واقعة زكريا على نبينا وعليه الصلاة والسلام لما أراده اليهود ففر منهم ودخل في شجرة، فإن روحه أمدت ذاته لمحبتها فيها بالقوة المذكورة، فخرقت ذاته جرم الشجرة ودخلت فيها، ومن ذلك ما يقع للأولياء من دخولهم الأماكن من غير باب ومشيهم الخطوة حتى يضع أحدهم رجلا بالمغرب وأخرى بالمشرق فإن الذات لا تطيق خرق الهواء الذي بين المشرق والمغرب في لحظة؛ لأن الريح تقطع أوصالها وتفتت أعضاءها وتنشف الدم والرطوبات التي فيها ولما أمدتها الروح بالقوة المذكورة وقع منها ما وقع ا. هـ المراد منه فظهر لك أنه نسب الفعل للذات مع الروح التي حصلت منها المساعدة
1 / 11
1 / 12
(١) قوله: يرمى به إلخ ليس المراد يرمى بجرم النجم حتى يلزم عنه زواله عن محله، فينافي جعله زينة للسماء المقتضي استمراره، بل يجوز أن ينفصل منه شعلة وهي الشهاب يرمى الشيطان بها كقبس يؤخذ من النار، والنار باقية كما ذكره الرازي في تفسير سورة الملك
1 / 13
(١) قوله: غير مرادة إلخ سئل الإمام الجامع بين علمي الظاهر والباطن أبو العباس أحمد التيجاني ﵁ ونفعنا بمدده - عن العلل المذكورة في كلام الله - تعالى - نحو ﴿وما خلقت الجن والإنس﴾ و﴿ليطاع بإذن الله﴾ و﴿ليكون لهم عدوا وحزنا﴾ ونحو ذلك فأجاب ﵁ بقوله: اعلم أن العلة المستحيلة في حقه - تعالى - هي أن لو قدر شيئا يعود منه النفع أو الضرر على الله - تعالى عن ذلك علوا كبيرا - فهذه هي العلة المستحيلة في حقه تعالى، أما العلة التي يعود نفعها أو ضررها على العباد فهذه لا شيء فيها؛ لأن حكمة الله هي شرائع أنبيائه أظهر فيها ﷾ الارتباط بين الأشياء من النسب والإضافات كالسبب بمسببه، والعلة بمعلولها نحو: ﴿من يطع الله ورسوله ندخله جنات﴾ ﴿ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده ندخله نارا﴾ إلى غير ذلك من الآيات والأخبار فعلى هذا معنى قوله: ﴿ليعبدون﴾ أي لنحكم عليهم بالعبادة فمن لم يعبدني منهم عاقبته بعذابي، وأما الأشياء بالنسبة بمشيئة لله تعالى فعارية عن العلل والشروط والأسباب ونحوها، وإنما حكم الله في أزله بما اختار، فجعل هذا سعيدا وهذا شقيا وهذا غنيا وهذا فقيرا من غير علة ولا غرض، وما أظهره الله تعالى في حكمته من الارتباطات بين الأمور في الظاهر نحو: من فعل كذا عاملته بكذا من الخير أو الشر فذلك بمحض الفضل أو العدل له الحكم والاختيار لا يسأل عما يفعل ا. هـ وقال سيدي علي وفا ﵁: جميع الأعمال إنما شرعت تذكرة بمشرعها؛ كي لا ينسوه ولا يصبوا إلى غيره ﴿أقم الصلاة لذكري﴾ فافهم، وفي الإبريز إنما شرعت العبادات وجميع الطاعات وأرسلت الرسل بذلك؛ ليحصل التوجه إلى الله ويردوهم عن الغفلة الناشئة لهم عن الحجاب، ولولاها لكان البشر مثل الملك ولم يتحمل هذه التكاليف الشاقة ولم تكن جهنم ا. هـ باختصار ولعل هذا الإنسان السائل يستحسن عقله أن تترك العباد سدى كالأنعام لا تكلف عليهم، وهو كأحدهم فيكون من مصدوق آية سورة القيامة بقي سؤال آخر يتعلق بالآية وهو أن الله تعالى علمه محيط بكل شيء، وقد قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس﴾ الآية فمقتضى ذلك أن يكون عالما بأنهم سيعبدونه، وينافي علمه بذلك تخلف العبادة من بعضهم، وأحسن ما أجيب به عن الآية ما قاله أبو العباس التيجاني أيضا أن قوله تعالى: ﴿وما خلقت﴾ الجن الآية خطاب منه تعالى في بساط الحكمة لا في بساط الحقيقة والمشيئة المشار إليها بقوله تعالى: ﴿ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم﴾ فهذا هو الواقع؛ لأن خطاب المشيئة لا يتأتى انتفاؤه بخلاف خطاب الحكمة في بعض الموجودات؛ لأن أمره - تعالى - مسوق إلى المشيئة لا إلى الحكمة، والحكمة سجاف على المشيئة كما قال صاحب الحكم ﵁: إلى المشيئة يستند كل شيء، ولا تستند هي لشيء يعني لا يقال لم شاء الله هذا؟ أو لا علة لاختياره ومشيئته تعالى، فقوله تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس﴾ الآية ﴿وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله﴾ خطاب في عالم الحكمة؛ فلذا وقع التخلف وكفر الكثير بالرسل إذ لو كانت عبادتهم وطاعتهم مقررتين في هذه المشيئة ما أمكن تخلفهما، قال تعالى: ﴿إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء﴾ وقال تعالى: ﴿وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين﴾ أي بأن السعادة بيدي دون خلقي ا. هـ المراد منه
1 / 14
1 / 15
(١) قوله: أن الدعاء متعبد به إلخ قال العارف بالله سيدي علي الخواص ﵁: إياك أن تترك الدعاء اتكالا على ما سبق به القدر، فتفوتك السنة فإن الدعاء نفسه عبادة وسنة سواء أجيب الدعاء أم لم يجب فاعلم ذلك (٢) قوله: إذا الشروط إلخ منها ما أشار له الحديث: لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم، وقول أبي غانم معروف القصري نحن نخشى الإله في كل كرب ... ثم ننساه بعد كشف الكروب كيف نرجو استجابة الدعاء ... قد سددنا طريقه بالذنوب وقال سيدي إبراهيم الدسوقي ﵁: إن أردت أن يسمع دعاؤك فاحفظ لسانك عن الكلام في الناس، وعن تناول الشبهات، يا ولدي إن شككت في قولي فاعمل به وجرب نفسك شيئا بعد شيء، تعرف صدق قولي، فمن ثَبَت ثُبِّتَ، ومن أطاع أُطيع، فإذا أطعت مولاك أطاع لك النارَ والماءَ والهواءَ والخطوة والإنس والجن ا. هـ ومصداق ما قاله الحديث القدسي: "لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنته"، وفي رواية "كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن استعاذني لأعيذنه ولئن سألني لأعطينه" الحديث، والمراد -والله أعلم- أنه تعالى أفاض عليه من أسرار صفاته حتى صار يقدر على ما لا يقدر عليه من لم يكن كذلك، وقال سيدي علي الخواص: إذا توجهت إلى الله تعالى في حصول أمر دنيوي أو أخروي فتوجه إليه وأنت فقير ذليل فإن غناك وعزك يمنعانك الإجابة ا. هـ أراد ﵁ التخلق بوصف الاضطرار الحقيقي فإنه أعز أوصاف الداعي؛ ولذا قال العارف بالله تعالى أبو محمد المرجاني: من وقع في الاضطرار الحقيقي فلا شك ولا ارتياب في إجابته ومثال الاضطرار الحقيقي مثل من ركب في سفينة فهو مضطر إلى ريح يمشي بها، وإلى بحر هاد قليل الآفات لكنه مطمئن بسفينته راكن إليها، وفي هذا السكون من ضعف الاضطرار ما فيه لو جاء الريح العاصف وحرك عليه هول البحر لكان اضطراره أكثر من الأول، لكنه عنده قوة في نفسه بالسفينة التي هي سبب السلامة غالبا فلو انكسرت السفينة مثلا وبقي على لوح لاشتد اضطراره أكثر من الثاني، لكنه يرجو السلامة لما تحته من اللوح وذلك قدح في حقيقة اضطراره فلو ذهب اللوح وبقي بعد ذلك في لجج البحار لا بر يُرى ولا جهة تُقصد ولا لوح يُرام أن يصعد عليه فهذه الحالة حقيقة الاضطرار دون ما عداها. وقال في الإبريز: إن الداعين لو انقطعوا إلى الله تعالى في دعائهم ببواطنهم لأجابهم، والإجابة تكون بأحد أمرين إما أن يعطيهم ما سألوا أو يمنعهم ويبين لهم سر القدر وبيان سر القدر إنما يكون للأولياء دون المحجوبين ا. هـ المراد منه فأمثالنا إذا لم تحصل لهم إجابة ولا بيان سر القدر، فينبغي لهم أن يسلموا الأمر لعلمه تعالى، وأنه ما منعهم ذلك بخلا منه ولا عجزا - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - ولكن ذلك لمصلحة استأثر بعلمها عنا، وإنما عاملنا كمعاملة بعضنا لبعض فإن أحدنا إذا كان تحت حجره من هو قاصر النظر، وكان مراقبا لشئونه أليس من السداد أن لا يساعده على كل ما طلب وأراد حتى يتأمل فيما هو اللائق به فيجيبه له أو غير ذلك فيمنعه أو يعوضه بما هو المناسب لحاله، وقد نبهنا الشارع على هذا الأمر الخطير بحديث الاستخارة الشهير، وقال الإمام الجليل سيدي عبد القادر الجيلي ﵁ ونفعنا بأسراره -: إن كان الحق - تعالى - لا يجيب عبده في كل ما سأله فيه إلا شفقة عليه أن يغلب عليه الرجاء والعزة فيعترض للمكر به، ويغفل عن القيام بأدب الخدمة فيهلك، والمطلوب من العبد أن لا يركن لغير ربه
1 / 16
1 / 18
(١) قوله: مقيد إلخ، ولو توفرت شروط الإجابة؛ ولذا تخلف في بعض الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - في بعض دعواتهم وذلك معروف عند العلماء مع أنهم أولى من توفرت فيه شروط الإجابة؛ لأنهم صفوة الله من خلقه كما أنه من المعلوم عندهم أن حصول بعض الأشياء قد يكون الدعاء لحصوله جزء سبب أو أسباب أخرى يتوقف حصوله عليها كحصول الولد مثلا، فالاكتفاء في طلب حصوله على الدعاء فقط بدون زواج لا يحصل المطلوب، بل يعد عبثا على حسب عادة الله في كثير من الأشياء في هذه الدار، وبهذا يندفع ما قيل: إن وجه البسيطة لا يخلو من مئات الملايين من المسلمين في كل آن ومكان ومن البعيد انعدام من تتوفر فيه شروط الإجابة من بينهم مع أنهم لا يفترون عن الدعاء لتقوية شوكة أهل هذا الدين، وإضعاف شوكة من عداهم من الملحدين، ومع ذلك لم تنجح دعوة واحد منهم في حصول هذا المطلوب، ومحصل الجواب عن ذلك أن حصول هذا الأمر العظيم علقه الله على أشياء أخرى غير الدعاء لا بد من حصولها معه حتى يحصل، وهي معلومة عند ذوي العقول السليمة فإنه لما استعملها مع الدعاء من رفع الله على يديه منار هذا الدين ممن مضى من سلف الأمة سمعت كيف أزالوا عن أهله كل كربة وغمة، وما بقي بأيدينا إنما هو من آثارهم والأنقاض التي تعيشوا فيها إنما هي من بقية أحجارهم وزيادة عما أدركوا من الملك الباذخ، والعز الشامخ ﴿فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون﴾ فمن أراد أن يعد من رجالهم فلينسج على منوالهم، وليفعل كأفعالهم، ذلك ما اقتضته حكمته وأبرزته قدرته في هذه الدار محل الابتلاء والاختبار؛ ليؤهل هؤلاء إلى الجنة، وهؤلاء إلى النار قال تعالى: ﴿ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض﴾ بل لو أراد غير الله ما تأخر أحد عن الطاعة، ولا اعتدى ﴿ولو شاء الله لجمعهم على الهدى﴾
1 / 19
1 / 20
(١) قوله: بغير الهيئة إلخ هذا في حق أهل الحجاب دون أهل الفتح والكشف، أما هم فأعطاهم الله قوة على رؤيتهم إياهم كالملائكة والشياطين على هيئة خلقتهم الأصلية. قال في الإبريز: إذا فتح الله على العبد سواء كان نبيا أو وليا لا بد أن يشاهد ما لا يطيق من عالم الجن والشياطين على ما هم عليه، ويرى الشياطين كيف تتوالد والجن وأين يسكنون والصور الفظيعة ويسمع الأصوات الهائلة التي تفلق الكبد ويشاهد الملائكة الحفظة وغيرهم بذواتهم على ما هم عليه ويخاطبهم ويخاطبونه، ومن قال: إن الولي لا يشاهد الملك ولا يكلمه وأن هذا خاص بالأنبياء فذاك دليل على أنه غير مفتوح عليه، وكذا قال في الفتوحات المكية في الباب الرابع والثلاثمائة وستين، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿إذا قالت الملائكة يا مريم﴾ الآية على الصواب من أنها ليست بنبية إذ لا نصيب لنوع النساء في هذا المقام، وقال سيدي علي الخواص: لا تمتنع رؤيتهم إلا عند بقائهم على الهيئة التي خلقهم الله عليها، وإذا أراد الله أن يطلع أحدا من عبيده على رؤيتهم من غير إرادة منهم رفع تعالى الحجاب عن عين الرائي فيراهم، وقد يأمر الله تعالى الجن بالظهور لنا فيتجسدون لنا فنراهم رأي العين، ثم إذا رأيناهم فتارة على صورهم في أنفسهم وتارة يكونون على صور البشر أو غيرهم، فإن لهم التشكل في أي صورة شاءوا كالملائكة، ويزيدون عليهم بتشكلهم حتى على الصور الخسيسة كالكلب والخنزير، وقد أخذ الله بأبصارنا عنهم فلا نراهم مع حضورهم في مجالسنا وحيث كنا إلا إذا كشف الحجاب بنا، وأصواتهم لا تشبه أصواتنا من كل وجه؛ لأن أجسادهم لطيفة لا يقدرون بها على مخارج الحروف الكثيفة؛ لأنها تطلب انطباقا وصلابة فبعض الأحرف ينطقون بها على أمثال أحرفنا وبعضها لا يمكنهم النطق بها، وحصول العلم لنا من كلامهم إنما هو لنطقهم بمثل حروفنا لا بحقيقتها هذا حكم كلامهم ما داموا في صورهم الأصلية، وأما إذا دخلوا في غير صورهم فالحكم للذات التي دخلوها من إنسان أو بهيمة أو غير ذلك ا. هـ فأنت ترى كلامه في إمكان رؤية ذواتهم الأصلية، وعدمه موزعا على اختلاف أحوال الرائي من كونه محجوبا أو لا. وقال في الإبريز أيضا: وإذا خفي عليك كيف أجسام الجن فانظر إلى نار مظلمة جدا بكثرة دخانها مثل ما يكون في الفخارين وصور فيها صورهم التي خلقوا عليها، فإذا جعلت الصورة في ذلك الدخان وألبسته إياها فذلك هو الجني ا. هـ
1 / 21