تكتمونه، فكان لا يكاد يتم ذلك الفصل حتى ينجم منتهك لحرمات الله سبحانه، أو جاحد لكتابه، يروم إطفاء نوره ودرس آياته، فيخلي ما هو فيه من ذلك صارفا وجهه بل باذلا مهجته دون دين الله تعالى أن يبتك، وعن حرماته أن تنتهك، ومع ذلك لا ينفك من سائل متفهم ، أو باحث مسترشد، أو سائل متعنت. ولقد حدثنى من رحمه الله أنه شاهده في يوم من أيام حروبه بنجران وأن سائلا يسأله من لدن أن أمر بإسراج فرسه، إلى أن استوي في متنه، إلي أن زحف إلي عدوه، وهو يجيبه، فلما تراءي الجمعان وألح عليه ذلك الانسان، أنشد هذه الابيات من شعر الغروي: ويل الشجي من الخلي فانه نصب الفؤاد بشجوه مغموم وتري الخلى قرير عين لاهيا وعلى الشجي كآبة وهموم ويقول مالك لا تقول مقالتي ولسان ذا طلق وذا مكظوم فيجيبه عن المسألة بباب، ويفهمه ذلك بأوسع جواب، ليبالغ في هدايته، ويوسع في تعريفه، ثم يرسم عنه ذلك الجواب في غير موضعه، ويقرن بغير فنه، ناسقا ذلك على ما معه من الاصول المتقدمة في أول كتابه، فخشيت إذ ذاك أن يفزع إليه ذو النازلة، أو يرومه باغي الفائدة، فتغبى عنه فايدته إذا هو طلبها في كتابه، أو تأملها في فنها المعبر عنها، فيظن أن مؤلفها رضي الله عنه أغفلها تاركا، وأطرحها من تصنيفه جانبا، فألحقت كل فن ببابه، وأتبعت كل فرع بأصله، مع أني ما زدت في ذلك حرفا، ولا نقصت من معناه شيئا، وأني ذلك! وإنما به وبآبائه عليهم السلام اهتدينا، وبهم طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وآله اقتدينا، ومن بحور نتائجهم وبرائكهم ارتوينا، نسأل الله فوزا بمرافقة نبيه المصطفى وآله الاتقياء، فإنه حسبنا ونعم الوكيل.
صفحة ٢٨