أحكام القرآن للشافعي

بسم الله الرحمن الرحيم وبه العون

صفحة ١

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين الذي خلق الإنسان من طين وجعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من ورحه وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة وبعث فيهم الرسل والأئمة مبشرين بالجنة من أطاع الله ومنذرين بالنار من عصى الله وخصنا بالنبي المصطفى والرسول المجتبى أبي القاسم محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب صلى الله عليه وسلم الذين هداهم الله واصطفاهم من بني هاشم والمطلب أرسله بالحق إلى من جعله من أهل التكليف من كافة الخلق بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا وأنزل معه كتابا عزيزا ونورا مبينا وتبصرة وبيانا وحكمة وبرهانا ورحمة وشفا وموعظة وذكرا فنقل به من أنعم عليه بتوفيقه من الكفر والضلالة إلى الرشد والهداية وبين فيه ما أحل وما حرم وما حمد وما ذم وما يكون عبادة وما يكون معصية نصا أو دلالة ووعد وأوعد وبشر وأنذر ووضع رسوله صلى الله عليه وسلم من دينه موضع الإبانة عنه وحين قبضه الله قيض في أمته جماعة اجتهدوا في معرفة كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حتى رسخوا في العلم وصاروا أئمة يهدون بأمره ويبينون ما يشكل على غيرهم من أحكام القرآن وتفسيره

صفحة ١٨

وقد صنف غير واحد من المتقدمين والمتأخرين في تفسير القرآن ومعانيه وإعرابه ومبانيه وذكر كل واحد منهم في أحكامه ما بلغه علمه وربما يوافق قوله قولنا وربما يخالفه فرأيت من دلت الدلالة على صحة قوله أبا عبدالله محمد بن إدريس الشافعي المطلبي ابن عم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله قد أتى على بيان ما يجب علينا معرفته من أحكام القرآن وكان ذلك مفرقا في كتبه المصنفة في الأصول والأحكام فميزته وجمعته في هذه الأجزاء على ترتيب المختصر ليكون طلب ذلك منه على من أراد أيسر واقتصرت في حكاية كلامه على ما يتبين منه المراد دون الإطناب ونقلت من كلامه في أصول الفقه واستشهاده بالآيات التي احتاج إليها من الكتاب على غاية الاختصار ما يليق بهذا الكتاب وأنا أسأل الله البر الرحيم أن ينفعني والناظرين فيه بما أودعته وأن يجزينا جزاء من اقتدينا به فيما نقلته فقد بالغ في الشرح والبيان وأدى النصيحة في التقدير والبيان ونبه على جهة الصواب والبرهان حتى أصبح من اقتدى به على ثقة من دين ربه ويقين من صحة مذهبه والحمد لله الذي شرح صدرنا للرشاد ووفقنا لصحة هذا الإعتقاد وإليه الرغبة عزت قدرته في أن يجري على أيدينا موجب هذا الإعتقاد ومقتضاه ويعيننا على ما فيه إذنه ورضاه وإليه التضرع في أن يتغمدنا برحمته وينجينا من عقوبته إنه الغفور الودود والفعال لما يريد وهو حسبنا ونعم الوكيل

صفحة ١٩

أنا أبو عبدالله محمد بن عبدالحافظ أنا أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه أنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عبيدة قال كنا نسمع من يونس بن عبد الأعلى تفسير زيد بن أسلم عن ابن وهب فقال لنا يونس كنت أولا أجالس أصحاب التفسير وأناظر عليه وكان الشافعي إذا أخذ في التفسير كأنه شهد التنزيل

أنا أبو عبدالله الحافظ أنا أبو الوليد الفقيه أنا أبو بكر حمدون قال سمعت الربيع يقول قلما كنت أدخل على الشافعي رحمه الله إلا والمصحف بين يديه يتتبع أحكام القرآن

فصل فيما ذكره الشافعي رحمه الله في التحريض على تعلم أحكام القرآن

صفحة ٢٠

أخبرنا أبو عبدالله محمد بن عبدالله الحافظ رحمه الله أنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي رحمه الله في ذكر نعمة الله علينا برسوله صلى الله عليه وسلم بما أنزل عليه من كتابه فقال

وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد

فنقلهم به من الكفر والعمى إلى الضياء والهدى وبين فيه ما أحل لنا بالتوسعة على خلقه وما حرم لما هو أعلم به من حظهم على الكف عنه في الآخرة والأولى وابتلى طاعتهم بأن تعبدهم بقول وعمل وإمساك عن محارم وحما هموها وأثابهم على طاعته من الخلود في جنته والنجاة من نقمته ما عظمت به نعمته جل ثناؤه وأعلمهم ما أوجب على أهل معصيته من خلاف ما أوجب لأهل طاعته ووعظهم بالإخبار عمن كان قبلهم ممن كان أكثر منهم أموالا وأولادا وأطول أعمارا وأحمد آثارا فاستمتعوا بخلاقهم في حياة دنياهم فأذاقهم عند نزول قضائه مناياهم دون آمالهم ونزلت بهم عقوبته عند انقضاء آجالهم ليعتبروا في آنف الأوان ويتفهموا بجلية التبيان وينتبهوا قبل رين الغفلة ويعملوا قبل انقطاع المدة حين لا يعتب مذنب ولا تؤخذ فدية وتجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا

وكان مما أنزل في كتابه جل ثناؤه رحمة وحجة علمه من علمه وجهله من جهله

قال والناس في العلم طبقات موقعهم من العلم بقدر درجاتهم في العلم به فحق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه والصبر على كل عارض دون طلبه وإخلاص النية لله في استدراك علمه نصا واستنباطا والرغبة إلى الله في العون عليه فإنه لا يدرك خير إلا بعونه فإن من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصا واستدلالا ووفقه الله للقول والعمل لما علم منه فاز بالفضيلة في دينه ودنياه وانتفت عنه الريب ونورت في قلبه الحكمة واستوجب في الدين موضع الإمامة فنسأل الله المبتدئ لنا بنعمه قبل استحقاقها المديم بها علينا مع تقصيرنا في الإتيان على ما أوجب من شكره لها الجاعلنا في خير أمة أخرجت للناس أن يرزقنا فهما في كتابه ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقولا وعملا يؤدي به عنا حقه ويوجب لنا نافلة مزيده فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبل الهدى فيها قال الله عز وجل

الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد

وقال تعالى

ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين

وقال تعالى

وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون

صفحة ٢١