160

كتاب أدب الطبيب

تصانيف

فتأمل — أيها الحبيب! — هذه البلايا الرديئة، والمكاره العظيمة، التى تنساق، وتتسبب على الأطباء، وخاصة الأفاضل 〈منهم〉، من سوء عادات الناس، وتدابيرهم الرديئة لنفوسهم، فكيف تتسبب أيضا على المريض، فتهلكه، بل كيف تتسبب أمثالها على الصحيح، حتى تمرضه، وتهلكه! وإنما كان مبدأ جميع ذلك الطمأنينة إلى غير الثقة، والقبول منه، والانبساط إليه، وإلى ملقه، وحلاوة حديثه، ومسارعته فى الخدمة، وإظهاره النصيحة، والمحبة. وإنما كان جميع ذلك حيلة، لفائدة ينالها. فلذلك يجب على عقلاء الناس، ألا يركنوا إلى ظواهر الناس، ولا يوثقوا كل من داخلهم، كما لا ينبغى لهم أن يأكلوا الطعام من يد كل أحد، ولو كان حسنا، حلوا، لذيذا. فإن الحيلة فى مثل ذلك تتم، والسم فى لذاذته خفى! وأيضا فلو سلم الملوك، والروساء، من الأمور المتلفة من السباع الأشرار، لما أمنوا من جهلهم، وشرهم، سوء الذكر! فإذا قد وجب مما قد اتضح، ألا يركن العاقل من الناس فى حال صحته، إلا إلى طبيب فاضل، ثقة، يكون له عدة. وكما أن صاحب السيف أكثر، وأوفر 〈له أن〉 يصون سيفه المرهف، سائر زمانه، ليوم الحاجة، كذلك ينبغى للإنسان أن يصون ذلك الطبيب الفاضل، بأوجه الصون، لوقت الحاجة إليه، وعلى أنه لا غناء له عنه، فى وقت من الأوقات، إذ كان لحفظ صحته، أحوج منه إلى علاج مرضه، إذ زمان الصحة أطول من زمان المرض، والصحة أشرف. وما كان أدوم، وأشرف، فتدبيره ينبغى أن يكون أكثر، وأوفر.

فأما من حقن سيفه، ورذله، ولم يصنه، فإنه عند حاجته إليه، يجده صدئا، كالا، لا ينتفع به. ولذلك يتمكن منه عدوه، فيهلكه. فإذا كان الأمر على ما قلناه، فقد اتضح عذر الطبيب فى هربه من الآفات، ولم يلمه على صونه لنفسه، ولصناعته، إلا جاهل غبى. وفيما ذكرناه... 〈كفاية〉...

〈بقية هذا الباب ساقط من الأصل〉 PageV01P16 8

[chapter 20]

〈فى الأمانة والاعتقاد الذى ينبغى أن يكون الطبيب عليه والآداب التى يصلح بها نفسه وأخلاقه〉

... فضيلة الإنسان على سائر الحيوان، ووجب لفضله أن يجتهد فى إصابة منافعه، ومصالحه، وإعدادها، أكثر مما يفعله الحيوان. فإن وجد من هو ناقص العقل، قليل الأدب والفضيلة، فلا أقل من أن يتخذ له مصالحه، ويعدها، كما يعمل أحقر الحيوان، وأصغر المواشى، أعنى النمل، ولا بأس بأن يتعلم العاجز منه. فإنه على صغر جسمه، وقلة قوته، يعد له، من بعد إحكام بيوته، فى زمان الصيف للشتاء قوتا كثيرا، ويخدم قوته فى بيوته من تكسير ما كان حبا لما يخاف نباته، ونشر ما قد ندى فى الشمس، وما أشبه ذلك.

فإن تفقد هذه الأعمال من الحيوان، تحرك العاقل إلى اتخاذ مصالحه، فى أوقات إمكانها، قبل فوتها، وتبعثه أيضا على فكره بعقله فى تعرف عللها. ومن ذلك يترقى إلى حكمة العلة الأولى التى هى فوق كل حكمة، وعند نوره، وجوده، يسكن العقل حينئذ 〈إلى〉 الذى يمده بالفضائل، وهو فوق كل جود.

وإذا كان العقل هو أتم المخلوقات، وأكمل المكونات، فعلى العاقل من الناس أن يتبع أوامره، وينتهى عما نهاه، لأن البارئ تعالى جعله السراج لخلقه، فبه يستفيدون، وبنوره يهتدون إلى توحيده، وجوده، وحكمته، وشرائعه، وبالجملة إلى جميع ما يصلحهم فى دنياهم وآخرتهم.

فوجب إذا — إذ كان العاقل يجد جميع حالات الجسم تتغير، وتنتقل من محمود إلى مذموم، كالذى نجد من ضعف القوة عند الشيخوخة، بعد قوة الشباب، ومن سوء حال المرض، بعد حال الصحة، ومن قبح الفقر، بعد جمال اليسار، ومن كثرة الحاجة مع العائلة، بعد قلتها مع الوحدة، ونظائر هذه الانتقالات، وما جانسها، مثل الفاقة إلى مصالح الشتاء، وما يرد من برده، بعد الغناء عن ذلك بحر الصيف — فلذلك، وأمثاله، ينبغى للعقلاء كافة أن يعدوا مصالحهم، ويدخروا منافعهم، من صيفهم لشتائهم، ومن صحتهم لوقت مرضهم، ومن وقت شبابهم لوقت شيخوختهم.

صفحة ١٦٩