وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ١٩] .
وَبِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَسَدِ وَنَحْوِهِ مِنْ النِّفَاقِ وَالرِّيَاءِ.
وَمَنْ لَا يَرَى الْمُؤَاخَذَةَ قَدْ يُجِيبُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّا نَقُولُ بِهِ وَهُوَ الظَّنُّ الَّذِي اقْتَرَنَ بِهِ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَدِلَّتِنَا، وَعَنْ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ الْقَوْلَ مُرَادٌ فِيهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ:
﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ١٩] فِي الدُّنْيَا وَهُوَ الْحَدُّ وَلَا يَجِبُ إلَّا بِالْقَوْلِ وَأَمَّا الْحَدُّ فَهُوَ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ تَعُمُّ الْبَلْوَى بِوُقُوعِهِ فَاحْتِيجَ إلَى زِيَادَةِ رَدْعٍ وَهُوَ الْمُؤَاخَذَةُ بِمُجَرَّدِهِ.
وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْحَسَدِ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ إلَى مَنْ عَمِلَ بِمُقْتَضَى التَّسَخُّطِ عَلَى الْقَدَرِ أَوْ يَنْتَصِبُ لِذَمِّ الْمَحْسُودِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْرَهَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ. وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَذَكَرَ قَوْلَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: غَمِّهِ فِي صَدْرِكَ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّكَ مَا لَمْ تَعْتَدَّ بِهِ يَدًا وَلِسَانًا، وَعَلَيْهِ أَنْ يَكْرَهَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ «ثَلَاثٌ لَا يَنْجُو مِنْهُنَّ أَحَدٌ الْحَسَدُ وَالظَّنُّ وَالطِّيَرَةُ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ بِالْمَخْرَجِ مِنْ ذَلِكَ إذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ، وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقِّقْ، وَإِذَا تَطَيَّرَتْ فَامْضِ» انْتَهَى، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْخَبَرَ الْأَخِيرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَالْقَوْلِ بِهِ وَذَلِكَ فِي النُّسْخَةِ الْوُسْطَى مِنْ الْآدَابِ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا.
قَالَ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْجِعَابِيِّ قَالَ: لَا تَشْتَغِلْ بِالْحَسَدِ وَاصْبِرْ عَلَيْهِمْ فَقَدْ حَدَّثُونَا عَنْ ابْنِ أَخِي الْأَصْمَعِيِّ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: الْحَسَدُ دَاءٌ مُنَصِّفٌ يَعْمَلُ فِي الْحَاسِدِ أَكْثَرَ مِمَّا يَعْمَلُ فِي الْمَحْسُودِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْمَحْسُودَ مَعَ مَا لَهُ مِنْ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ.
قَالَ
1 / 102