126

الأدب النبوي

الناشر

دار المعرفة

رقم الإصدار

الرابع

سنة النشر

١٤٢٣ هـ

مكان النشر

بيروت

تصانيف

الجزل «١» . وما تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتى همّ بأن يقع به- يبالغ في ضربه- فقال الحر: يا أمير المؤمنين إن الله قال لنبيه ﷺ: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ «٢»، وإن هذا من الجاهلين. وإن هذا من الجاهلين. فو الله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه وكان وقّافا عند كتاب الله- روى ذلك البخاري في كتاب الاعتصام «٣» . وسواء كان المستأذن على رسول الله ﷺ مخرمة أو عيينة فالقصة مشكلة من جهة المعنى إذ كيف يذم الرسول ﷺ شخصا رآه مقبلا، ويقول فيه: بئس أخو العشيرة؛ وبئس ابن العشيرة ثم يهش في وجهه؛ وينبسط له حينما جلس معه؛ وهل هذا إلا التظاهر بغير ما يضمر؟ فكيف يصدر هذا من الرسول الكريم؛ الذي شهد له رب العالمين بأنه على خلق عظيم؟ لقد أجيب عن هذا الذم بأنه من باب النصيحة للأمة والتحذير لها من أن تغتر بذوي المظاهر الجميلة؛ أرباب الطوايا الخبيثة فتقع في شراكهم «٤»، ويصيبها شر من جهتهم. بل استدل بهذا الذم على جواز غيبة من أعلن الفسق أو الفحش. أو جار في الحكم. أو دعا إلى بدعة جهارا أو نحو ذلك. وهذا الاستدلال لا يتم إلا إذا كان من عابه الرسول ﷺ بهذه المثابة. وأجيب عن التطلق في وجهه والتبسط إليه بعد ذلك الذم بأنه من باب المداراة؛ إتقاء لشره. وليس من قبيل المداهنة في الدين التي هي من مساوىء الأخلاق. قال القرطبي: والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدّين أو هما معا. وهي مباحة. وربما استحبت. والمداهنة ترك الدّين لصلاح الدنيا. والنبي ﷺ إنما بذل له من دنياه حسن عشرته؛ والرفق في مكالمته. ومع ذلك فلم يمدحه بقوله. ولم يناقض قوله فيه فعله. فإن قوله فيه قول حق؛ وفعله معه حسن عشرة. فيزول بهذا الإشكال. ذلك ما أجابوا به ولا زال في النفس من هذا الذم والتطلق شيء. ولا زلنا نرى مقام الرسول ﷺ وكرم خلقه فوق ذلك الموقف. وأن الذي نجده في نفوسنا كالذي وجدته عائشة، وإذا كان الغرض من ذلك التبسط

(١) الجزل: الكثير العظيم من كل شيء. (٢) سورة الأعراف، الآية: ١٩٩. (٣) رواه البخاري في كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: الاقتداء بسنن رسول الله ﷺ (٧٢٨٦) . (٤) شراكهم: أي تقع في المكائد والمصائب التي ينسجونها ويحوكونها لك.

1 / 130