آداب الحسبة
تأليف
الفقيه الأجل العالم العارف الأوحد
أبي عبد الله محمد بن أبي محمد السقطي المالقي الأندلسي ﵀
صفحة غير معروفة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ... صلى الله على سيدنا محمد وآله
قال الفقيه الأجل العالم العارف الأوحد أبي عبد الله محمد بن أبي محمد السقطي ﵀ بمنه-:
الحمد لله الذي علمنا ما لم نكن نعلم، وفهمنا ما لم نكن نعرف ولا نفهم، وصلى الله على محمد نبيه ورسوله وسلم، وعلى آله الطيبين الطاهرين وشرف وكرم.
وبعد:
فإني لكثرة ما لزمت من الأسفار، وجلت من البلاد والأقطار، أيام رحلتي، وعنفوان شبيبتي وقوتي، وعرفني ثقات المسافرين، وأمناء التجار المتجولين، ألسنة الزمان، وحداث الحوادث من مكان إلى مكان، مع ما تصرفت فيه من الأشغال، وظهرت عليه بسبب الاشتغال، ونبهني على جلائه من رغب مني القرب، ونصح في الكشف عنه من أظهر في ولايتي الاعتقاد والحب، ممن كان شاهد واختبر، واستغنى بالتجربة عن الخبر، وحسنت في ذات الله نيته، وكرمت سجيته وطويته، تحصل في فهمي، وتقرر في حقيقة علمي، من أخبار مفسدي الباعة والصناع بالأسواق وغشهم في الكيل والميزان وبخسهم واستعمالهم الخدع للناس في معاملتهم، والتلبيس عليهم في مداخلتهم وملابستهم، وإحراز الحسبة عليهم وتقلد النظر في أمورهم من لا يحسن لذلك
1 / 1
تناولا، ولا يعرف من الحلال والحرام مفصلا ولا مجملا، ما لم يسعني معه إلا التنبيه على مكرهم، والقول بالمعروف في نكرهم، لقول الله تعالى وتبارك: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) مع أن الخطة لم تزل عظيما شأنها، رفيعا مكانها، وسيطة بين خطة القضاء والمظالم تجاذبهما في وجوه وتشاركهما، وتماثلهما في أمور وتشابكهما، فتجمع بين نظر شرعي وزجر سلطاني موقوفة على هيئة متقلدها وتنفيذ الحقوق للمعترف بها، وكان خلفاء الصدر الأول يباشرونها بأنفسهم لعموم مصلحتها وعظيم ثواب الله عليها إلى أن قصر في بعض الأزمان بواجبها، وتعين من ليس من أهلها للاشتغال بها، فلان أمرها، وهان خطبها وقدرها، وصارت سببا لتكسب المال لا لتفريق بين الحلال والحرام على أن مذهب العلماء أن القاعدة إذا نالها خلل لم يبطل حكمها، ولا زال وإن عفا رسمها.
وقد ولي أحد أصحاب الشافعي الحسبة ببغداد فنزل الجامع والقاضي جالس للحكم فيه فقال له: أما علمت أن الله ﷿ يقول: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر) وإنه لتدخل المرأة إليك ومعها الطفل فيبول على الحصير والرجل يطأ الحصر وقد مشي غير متنعل في المواضع القذرة ودارك بك أولى، فلم يجلس بعدها في الجامع للحكم على أن مالكا يقول: القضاء في المسجد من الأمر القديم، ويروى أن يجلس القاضي في المسجد أو رحابة، وقد اتخذ سحنون من أصحابه بيتا في المسجد يقضي فيه، وفي بعض الآثار أن رسول الله ﷺ كان يقضى في المسجد، ووجه عمر ﵁ إلى العراق ليحرقوا دار ابن موسى الأشعري ﵁، وقال: اضرمها عليه نارا، لما بلغه أنه كان يقضي فيها وتكلم الناس
1 / 2
في ذلك فقيل إنما كان لما يتخوف من عجز الضعيف عن الوصول إليه، وإن عاقه عائق عن الخروج منها من مرض أو غيره فليفتح بابه ولا يمنع أحدا منه، ودعا أحد الملوك علي بن عبد الرحمن التميمي إلى شرطة الكوفة، فقال: لا أقبلها إلا أن تكفيني أهلك وأولادك، فقال: يا غلام ناد فيهم: من طلب إليه منهم حاجة فقد برئت منه الذمة، فقال الشعبي: فما رأيت صاحب شرطة أهيب منه ولقد كان يمر عليه الشهر وأزيد منه فلا يرتفع إليه خصمان لفرط مهابته.
وجعلت كتابي هذا مقسما على ثمانية أبواب ليقرب النظر فيه ويسهل فهمه على مستعمليه إن شاء الله تعالى وبه أستعين وهو حسبي ونعم الوكيل.
الباب الأول
في مقدمات الحسبة وشأن المحتسب
قال الله ﵎: (كنت خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) وقال ﷿: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان)، وقال عز من قائل: (وأحل الله البيع وحرم الربا)، وقال ﷿: (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم) وقال ﷿: (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)، وقال رسول الله ﷺ: من غشنا فليس منا.
1 / 3
ونهى ﵇ عن بيع الطعام قبل أن يستوفي، وعن بيعتين في بيعة، وعن الكالئ بالكالئ، وعن البيع والسلف، وعن بيع الحيوان باللحم، وعن بيع الحيوان بعضه ببعض، وعن بيع الكلب وعن بيع الهر، وعن أن يبيع الرجل على بيع أخيه حتى يبتاع أو يدور، وعن النجش والتصرية، وعن ذبح ذوات الدر، وعن تلاقي الركبان، وعن بيع الحاضر للبادي، وعن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا مثلا بمثل يدا بيد، وعن المزابنة وهي بيع التمر بالتمر في رؤوس النخل والعنب بالزبيب والزرع بالحنطة وفريكه بيابسة والقمح المبلول بيابسه، وعن الصبرة بالصبرة، وعن العينة وهي أن يقول الرجل للرجل: اشتري كذا وأربحك به فيه كذا، وعن بيع التمر حتى يبدو صلاحه، وعن بيع التمر حتى يزهو والسنبل حتى يبيض، وعن صوف على ظهر ولبن في ضرع، وعن المحاقلة، وعن المخاية وهي كراء الأرض بما تنبت.
وخرج رسول الله ﷺ إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون فقال: يا معشر التجار فاستجابوا له ﷺ ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقي الله وبر وصدق، وقال ﷺ: التاجر الصدوق المسلم مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة، وقال ﷺ: الحلف منفقة للسلع ممحقة للربح، وقال ﵇: إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقي الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، ومر ﵇ بصبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال: ما هذا يا صاحب الطعام، فقال: أصابته السماء يا رسول الله، فقال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش
1 / 4
فليس مني، ولعن ﷺ آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء، وقال ﷺ: إن الربى وإن كثر فإنه يرجع إلى قل، وقال ﷺ: ما نقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، وقال ﷺ: ﵀ رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى، وقال الناس: يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا، فقال: إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال، وقال: بيع المحفلات خلابة ولا تحل خلابة مسلم، ومر عم ﵁ على حاطب بن أبي بلتعة وهو يبيع زبيبا في السوق فقال له: إما أن تزيد في السعر وإما أن تخرج من سوقنا، وقال ﵁: من جلب طعاما على عمود ظهره فذلك ضيف عمر يبيعه كيف يشاء ويذهب به حيث شاء، وتمنع الحكرة إذا ضرت بالناس وكانوا بحال ضيق وشدة، ومن احتكر طعاما في حين الرخاء وحدث غلاء السعر فهل يجبر على إخراجه للناس أم لا، وجهان يأخذ بأيهما شاء من يجب له النظر في ذلك وكذلك يأمر في وقت الشدة بإخراج الأطعمة إلى السوق وتباع فيها ولا تباع في الدور لما في ذلك من تقوية النفوس.
ويجب أن يكون من ولي النظر في الحسبة فقيها في الدين قائما مع الحق نزيه النفس عالي الهمة معلوم العدالة ذا أناة وحلم، وتيقظ وفهم، عارفا بجزئيات الأمور، وسياسيات الجمهور، لا يستنفره طمع ولا تلحقه هوادة ولا تأخذه في الله لومة لائم مع مهابة تمنع من الإدلال عليه وترهب الجاني لديه، فقد روي عن علي ﵁ أنه أقام الحد على رجل فقال: قتلتني يا أمير المؤمنين، فقال له: الحق قتلك، قال فارحمني، قال الذي أوجب عليك الحد أرحم بك مني، ومن شأنه ألا يثرب في شيء إلا بعد أن ينهى عنه ويتقدم فيه ولا ينكر
1 / 5
على أحد إلا بعد أن يحقق ما هو، قال الله تعالى: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا، وكما روى عن عمر ﵁ حين رأي رجلا يطوف بالبيت وعل عنقه مثل المهاة جمالا وحسنا وهو يقول:
عدت لهاذي جملا ذلولا
موطأ أتَّبع السهولا
أعدلها بالكف أن تميلا
أحذر أن تسقط أو تزولا
أرجو بذلك نائلا جميلا
فقال عمر: من هذه يا عبد الله التي وهبت لها حجك، فقال امرأتي يا أمير المؤمنين وإنها حمقاء مرغامة، أكول قمامه، لا يبقي لها خامه، قال له ما لك لا تطلقها، قال: إنها حسناء لا تفرك، وأم صبيان لا تترك، فقال فشأنك بها فلم ينكر ﵁ حتى استخبره.
وروى أنه ﵁ نهى عن الرجال أن يطوفوا مع النساء فرأى رجلا يصلي مع النساء فضربه بالدرة فقال الرجل: والله لئن كنت أحسنت لقد ظلمتني ولئن كنت أسأت فما أعلمتني؟ فقال عمر: أما شهدت عزمتي، فقال ما شهدت لك عزمة، فألقي إليه الدرة وقال: اقتص، قال: لا اقتص اليوم، قال فاعف عني، قال: لا أعفو، فافترقا ثم لقيه في الغد فتغير وجه عمر ﵁ فقال له الرجل: يا أمير المؤمنين كأني أرى ما كان مني قد أسرع فيك، قال: أجل، قال: فإني أشهدك أني عفوت عنك.
وحكي أن ابن عائشة رأى رجلا يكلم امرأة في الطريق فقال له: إن كانت
1 / 6
حرمتك إنه لقبيح بك أن كلمها بين الناس وإن لم تكن حرمتك فهو أقبح، ثم تولي عنه وجلس للناس يحدثهم فإذا برقعة قد ألقيت في حجره مكتوب فيها:
إن التي أبصرتني ... سحرا أكلمها رسول
أدت إلي رسالة ... كادت لها نفسي تسيل
من فاتر الألحاظ يجذب خصره ردف ثقيل
متنكبا قوس الصبي ... يرمي وليس له رسيل
فلو أن اذنك عندنا ... حتى تسمع ما نقول
لرأيت ما استقبحت ... من أمري هو الحسن الجميل
فقرأها ابن عائشة ووجد على ظهرها مكتوبا: أبو نواس فقال: مالي ولأبي نواس محتمل.
وكان في الكوفة محتسب لم يترك مؤذنا يؤذن في منار إلا معصوب العينين من أجل ديار الناس وحريمهم ولله دره فإنه احتاط وأجاد.
ولقد كنت أقول منذ رأيت هذه الحكاية: ليت شعري لم فعل هذا، حتى حكى لي جماعة من الثقات أنهم شاهدوا بمراكش قضية عجيبة وذلك أن أحد الرؤساء أمر ليلة من الليالي حشمة وخدمه أن يتظاهروا لديه بصحن داره في السلاح التام ليري ما يعجبه منهم وبين يديه شمع زاهر وأضواء كثيرة وجعلوا يحمل بعضهم على بعض يظهرون لسيدهم ما أحكموه من ما طلبهم به فبصر بهم مؤذن من منار مسجد كان يطلع على الدار فصاح باللسان الغربي: غدرتم يا مسلمين ودخلت دار فلان، فتسابق الناس إلى الدار ووقعت من ذلك في البلد رجة عظيمة وتمشى الصياح في الناس وكانت هيشة كبيرة كان سببها اطلاع
1 / 7
المؤذن، مع أني رأيت بعض المتحدثين يحقق إنما قصد هذا المؤذن المكر بصاحب الدار والتبشيع عليه حسدا على ما بسط له من دنياه وقد يمكن ذلك إلى غير ذلك من ما يخاف في حقهم من الفتن عليهم سبب اطلاعهم، كما اتفق للرجل الدهان الذي رأيته بغرناطة وحدثت عليه أنه كان مؤذنا أيام فتائه بإحدي البنيات وكان يشرف من موضع أذانه على دار فيها جارية حسناء أعجبه حالها ولما علمت بشأنه لم تزل تبرح له وتشير إليه وتنازيه حتى شغف بها فعرضت له يومًا وهو في أثناء الآذان وشغلته حتى زاد أو نقص وسمعه الناس فأجفلوا إليه وشاع أمره فاضطرته الحال إلى أن فر عن ذلك الموضع واستوطن غيره وترك الآذان ولزم صنعته إلى أن توفي عفا الله عنا وعنه وكفانا الفتن بمنه.
وقد تقدم لبعض الشعراء في ذلك:
ليتني في المؤذنين حياتي ... إنهم يبصرون من في السطوح
فيشيرون أو تشير إليهم ... بالهوى كل ذات دل مليح
والناظر في الحسبة ينكر بحسب الموضع والشخص والحال، وترك مواضع الريب واجب والنبي ﷺ يقول: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، والله ﷿ يقول: ولا تجسسوا، وقال ﵎: فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين، والنبي ﷺ يقول: من أتى من هذه القاذورات فليستتر فإن من أبدى لنا ضفحته أقمنا عليه حد الله، وإذا سمع أصوات ملاة منكر بدار أنكرها خارج الدار وزجر عليها ولم يعجم على الكشف وليس له أن يتجسس إلا إذا غلب على ظنه أو عرفه ثقة أو دلت أمارات على انتهاك حرمة
1 / 8
يخاف فواتها كمن خلا برجل ليقتله أو بامرأة ليزني بها فله أن يتجسس على ذلك ويهجم عليه قبل أن يقع ويفوت الأمر فيه.
ومن صفاته أيضا أن يكون يستعمل اللين من غير ضعف والشدة من غير عنف حتى لا ترتجي لكثرة تيقظه غفلة ولا تؤمن على ذي منكر سطوته في أدب الجاني أول مرة بالتوبيخ والزجر وفي الثانية بالسجن والوعيد وفي الثالثة بالضرب والشهرة، فإن استمر على غوائه وسوء أفعاله تابعه بالتنكيل وجعل أهم أموره تفقده لسقوط الثقة به حتى يتوب أو يرتفع عن سوق المسلمين.
ويقدم من ثقات أهل الأسواق ووجوه أرباب الصنائع من تعرف ثقته، وينفع المسلمين نصحه ومعرفته، يستظهر بهم عل سائرهم، ويطلعونه على خفي أسرارهم وخبيث سرائرهم، حتى لا يختفي من أمورهم كثير ولا قليل، ولا يستتر من شأنهم دقيق ولا جليل فيزول مكرهم، ويرتفع على المسلمين غشهم وضرهم، ويتفقد مع الأحيان أحوال رجاله ولا يعين أحدا منهم لشغل معين كوزن الخبز على الخبازين وغيره فإنه إن فعل ذلك تقدم إلى ذلك الرجل بالرشوة وذلك عليه في الوزن، ولا يعلم رجاله أبدا خروجه لأمر معين من أمور الحسبة فإنهم إن علموا ذلك تقدم واحد منهم أو قدموا غيرهم إلى أرباب ذلك الأمر الذي يخرج فيه ويشعرهم بقصده فيغيب صاحب الدلسة وفاعل الريبة أو يغيب عين الشيء الفاسد فلا تمكن إقامة الحجة عليه، وربما إذا وجد بعد ذلك يزعم أن ذلك الشيء الفاسد لم يكن له وإنما جعل بموضعه عند تغييبه عنه ويخفق سعي المحتسب في ذلك، وكذلك إذا عثر على خبز ناقص الوزن أو لطيف الصعنة أو قليل الطبخ أو شيء فاسد بدلسة أو غيرها من أوجه الفاسد، ويأمر بالخبز أن يكسر والشيء الفاسد أن يهراق فلا يكل ذلك إلى رجاله
1 / 9
ويباشره بنفسه حتى يصير جميع الخبز كسرا دقيقة الجرم ويعني بالشيء الفاسد بالرمي لئلا يأخذه رجالة من صاحب ذلك رشوة فلا يكسرون من الخبز إلا القليل ولا يرمون من الفاسد إلا اليسير أو يكسرون الخبز أنصافا أو أثلاثا فيجمع صاحبها بعضها إلى بعض ولا يبيعها بالميزان ويتمشى في الناس على دلستها.
ولا يبيح لهم أن يأخذوا شيئا من أحد إلا إن وجدوه ذا دلسة أو صاحب ريبة في صنعته فإنهم يكتفون في جعلهم باليسير مثل ربع الدرهم وقدره، وكذلك مؤنة السجن على من يسجن ومثل ذلك الإجحاف فيه وإذ لابد للسلطان من وزعة والظالم أحق من حمل عليه.
ويعتمد على أن يسم الاكيال والموازين والغرابيل وصنج أرباب الموازين بميسم معلوم عنده وكذلك قفاف الوزن، ويأمر عملة الخبز أن يصنع كل واحد منهم طابعا ينقش فيه اسمه ويطبع على خبزه ليتميز خبز كل واحد بطابعه وتقوم الحجة به على صاحبه.
ويضمن كل من له خدمة يتصرفون بين يديه من الباعة إحضارهم لديه خبرت عليهم دلسة أو وجد لهم مستنكر فالدقاق يضمن عن غربالة ووزانه والخباز يضمن عن عماله ووزانه وعجانه وفرانه والجلاس لبيع خبزه بكوشة عمله والسفاج عجانه وقطاعه ويؤدب كل واحد منهم على فساد عمله، ويلزم صاحب كل شغل أن يكون المطلوب بجميع ما يفعل متصرفوه في شغله وكل ذلك بالشهادة، ولا يستخلف أحد أحدا على شغله ولا صبيا صغيرا للبيع في دكانه إلا أن يلتزم ما يفعله ويكون المطلوب بما يظهر عليه من غش أو دلسة، وإن لم يتقدم إليهم بذلك ويربطهم إليه فيعتذروا إليه عند وجود الدلسة وظهور الغش بعدم العلم به، ويختفي المتصرف في عمله فلا يوجد
1 / 10
سبيل لدفع ذلك السبب وإيقاع العقوبة بالفاعل له، ومتى أخذ ذلك ولم ينبه المعلم عليه ولا تشكي منه وغاب الفاعل وعجز عن إحضاره بحكم ضمانه إياه لم يصدق في عدم العلم بما اتفق وكانت العقوبة عليه أوجب والتنكيل أشد.
ويأمر باعة الخبز أن يتخذوا موازين وصنجا معدة لها تكون معهم في دكانهم فإذا اختبر عليهم الخبز بالوزن وألفاه ناقصا أقام الحجة عليهم باتخاذهم الموازين وتركهم وزن الخبز بها على عملته ويؤديهم على مسامحتهم في بيع الناقص، وكذلك شأنه مع باعة الدقيق وعملته في الغرابيل لتقوم الحجة لذلك عليهم أيضا، ويكون معلوما عنده ما في بلده من الطعام المختزن لوقت الحاجة إليه وكذلك ما يحتاج إليه بلده من الطعام في كل يوم وما يرد عليه من الطعام ويعمل فيه من الدقيق ويجلب منه أيضا إليه ليتوصل بذلك إلى زيادة السعر ونقصه وعمارة البلد والزهادة فيه والله الموفق للصواب لا رب غيره.
الباب الثاني
في الكيالين والأكيال
أما الكيالون للطعام فيعرفون أنواعه بكثرة الاختبار لها والحيلة بتناولها ولا يخفى عليهم قدر إصداقها في الكيل، فمن القمح ما يصدق القدح منه ثلاثين رطلا ومنه ما يصدق اثنين وثلاثين وثلاثة وأربعة وثلاثين، ومن الشعير والشنتية ما يصدق القدح منه ربعا واحدًا ومنه ما يقصر عن ذلك، ويصدق القدح من الذرة مثل القمح، فإذا وعدهم المبتاء بالزيادة في الأجرة ليحسنوا
1 / 11
في الكيل ألحقوا الدون في الإصداق بالعالي وذلك أن الكيال إذا قعد للكيل قعد على ركبتيه ومقادم رجليه واغترف الطعام بالقدح وزاد في الغرف وقلب القدح بقوة وأقعد أكثره على فخذيه وطرف كدس الطعام وجبد الطعام بيديه وأمد على الكيل ذراعيه ويديه فتراص الطعام في الكيل بالإقعاد الأول وتدكن بهذا الجذب وإمرار اليدين والذراعين عليه ثم أزال فخذيه عنه فقعد القدح واهتز ونزل الطعام في جوفه وصدق بحسب إرادته.
وإذا قصد العدل قعد على هيئته المذكورة وأقعد القدح على قعره وصب فيه صبا خفيفا فإذا امتلأ رفعه برفع ثم أفرغه واغترف بالقدح من الطعام قليلا وقلبه برفق على كدس الطعام متصلا بركبتيه ودون أن يضع شيئا منه عليهما أو يحنوا عليه ويجبد الطعام إليه بيديه ولا يمرهما عليه ويضعه فيه قليلا قليلا فلا يتحرك الكيل ولا يتراص الطعام فيه ويرفعه برفق ويفرغه كذلك.
وإذا قصد الاخسار فعل على ما يفعل إذا قصد العدل واستعجل بوضع الطعام فيه ورفعه وتفريغه قبل أن يوفيه الحق المعلوم فيه، ومتى وضع فيه من الطعام قدر ثلث فعل على ما يفعل إذا قصد غير ذلك وقلبه وكمله بالطعام فإنما يقصد الاستيفاء وكذلك متى وضع الكيال القدح على ركبتيه فإنما قصده الاستيفاء بحسب ما يمكنه من فخذيه، ويزيل في الكيل الممسوح إذا قصد الاخسار أن يوفر الطعام على الصفيحة صفا أو صفين أو ما استطاع وإنما ألحق في ذلك أن يمسح ما على الصفائح.
وأما أصحاب أكيال المائعات فلمفسديهم حيل منها إذا قصد الإخسار أن يصبوا في الإناء صبا عنيفا لم يتركوه يهدأ ويفرغون الكيل وهو مبخوس وربما أمالوه من جهة واحدة وهي التي تقابل الذي تكتال له فيتوهم أن ذلك الجرى على وهو قد أخسر، ومنها أن يدخلوا قيعان الأكيال النحاسية إلى داخلها
1 / 12
وجوانبها فيوهم أنها قد اندقت أو على ذلك النوع صنعت وهي تنقص بحسب ذلك ويحشون في أجواف الأكيال غير النحاسية الطين اليابس الجليل أو ما شاكله أو الجبص المحلول أو الشمع المذاب فينقص بذلك، وكذلك النحاسية إن لم يستطيعوا فيها ما تقدم ولا سيما إذا كانت الأكيال ضيقة الأفواه.
وشأن المحتسب مع هؤلاء أن يختبر عليهم الطعام والمائعات بكيال من أهل الثقة يستعمله مقدما عليهم قد خبر منه النصح والتنبيه على المكايد والخدع والغيرة على المسلمين ويزن ما يسعه ذلك الكيل الذي يختبر به وما بلغ وزنه إليه يكون مثالا له ومعلوما عنده لما يكيله أولئك من أنواع ما يكتال حتى لا يمكن لأحد الإخسار في الكيل ولا الزيادة فيه بعد أن يحملهم على أن يكون أكيال الأرباع منشورة الأفواه مبرودة الحواشي من خارج لا يحتمل حافاتها الزائدة بوجه ولا تتعاهد النحاسية بالإصلاح والاعتدال ويتفقد أجوافها ولا سيما عند من يتطرق الظن إليه وسقط الثقة به.
وقيل في ذلك كله مقال مثال يكون كالقانون في جميع الأكيال بتنبيه على الجاري الآن بمالقة فالقدح يصدق من الكزبر اليابس الصحيح الطيب أحد عشر رطلا والرطل ست عشرة أوقية والأوقية عشرون درهما قضة إمامية، وثمن الربع الجاري بمالقة في الكيل يصدق من العسل الطيب الأندلسي في الغالب ثلاثة أرطال ونصف ومن الطيب العدوي ثلاثة أرطال وست أواق إلى ثلاثة أرطال، وربع من الزبيب رطلين وربع ومن الخل ثلاثة أرطال غير ربع إلى رطلين ونصف ومن اللبن الغنمي ثلاثة أرطال وربع ومن المعزي ثلاثة أرطال وثلاث أواق، وبحسب هذه التجربة وما يعطيه النظر بالمشاهدة يفعل الناظر في الحسبة لمن يقع من أولئك إن شاء الله.
1 / 13
الباب الثالث
في الموازين والأكيال والوزَّانين والكيالين
أحق الموازين ما كان ثقبه في قصبته وكان الثقب موسع الجهتين مشرك الوسط يعمه المسمار، وأخسرها للحق ما كان ثقبه في اللسان أو كان في القصبة غير مشرك الوسط أو كان مسماره رقيقا بالإضافة إلى ثقبته وإيقاعه بها، ولمفسديهم حيل وخدائع منهم من يضع أصل إبهام يده اليسري على حاشية كفة الميزان حين الوزن يوهم لذلك أنه يمسكها وقد جعل تحتها شيئا مرتفعا من الآلات إذا وصلت كفة الصنوج إليه خرج لسان الميزان عن القبة وينزلها بيده المذكورة مع الشيء الموزون يسيرا يسيرا إلى أن يحس أنها وصلت إلى الذي تحتها فيرفع رأسه إلى قبة الميزان كأنه ينظر إلى اللسان هل خرج عن القبة أم لا ويرفع المشترى رأسه كذلك فيرى اللسان قد خرج عن القبة ويفرغ له البائع المبيع من الكفة والمبتاع يتخيل أنه قد وصل إلى حله والبائع قد أخسره.
ومنهم من يرتبط شعرة في مقلوب كفة الميزان من فلس الكوكب ويفها على إبهام رجله ويجعل قدمه واقفا على عقبه فإذا وضع في الكفة ما يوزن أنزل إبهام رجله إلى أسفل فهبطت الشعرة إلى أسفل وخرج لسان الميزان عن القبة فيرفع مقدم رجله ويفرغ الكفة وقد نقص في الوزن ما نقص، وهذه المكيدة لا يعمل بها إلا من يكون للوزن جالسا على كرسي.
ومنهم من يعد صفيحة رصاص تكون زنتها ثلاث أواق أو أزيد ويدهن وجهها بالشحم أو الشمع المخلوط فيه الزيت فإذا جاء من يشتري يلصق تلك القطعة
1 / 14
بيده اليسري في باطن الكفة ويزن بها كذلك فينتقص المشترى من كل وزنة ثقل الرصاص المذكور فذا أكمل قصده انتزعها ولا يشعر به ويلقيها في الأرض بين يديه إلى حين يحتاج إليها.
ومنهم من يكتفي في ذلك بأصل إبهام يده اليسرى لكثرة حنكته وتصرفه بها في الإخسار والنقص.
ومنهم من يجبد ويرفد فيخسر إذا رفع أو يربح إذا قبض
ومنهم من يجعل لميزانه خيطا يكون من مؤخر القصبة إلى ما سائله من جوائز السقف أو غيره يوهم أنه يعدله به وإنما المقصود به إسراع الارجاح.
ومنهم من أخذ صنوجا من رصاص مجوفة قد ملئت شمعا فتعطي الجرم ولا تعطي الوزن.
ومنهم من يجعل نصف الصفيحة من الرصاص ونصفها من الشمع ويغشيها بالجلد فيوهم بجرمها وهي تنقص على الوزن.
ومنهم من يتخذ صنجا من الحديد يحلق فيها عمادًا طبع عليها بطابع المحتسب بدل حلقها الكبار بصغار خدع بها.
ومنهم من يرطب القمح والشعير في الزيت فإذا رطب غرز فيه أطراف إبر الحديد وأخفى مغارزها ليوهم بذلك عند القبض أن الشعير على أصله وهو يأخذ مثلي ثقله بما فيه من أطراف الإبر.
ولقد أخبرني بعض المتجولين أهل الاعتناء بالأمور والبحث على النواشي والتحدث بالغرائب أنه رأى ميزانا قد اتخذ فارغ القصبة ووضع فيها الزنبق فإذا جعل في كفته الوزان شيئا جذبه برفق فمال وجرى الزئبق إلى طرف
1 / 15
القصبة فخرج اللسان عن القبة وحسب المبتاع أن البائع سامحه في الزائد وهو قد نقصه حقه.
وكذلك حكى لي من أثق به دينا وأمانة وصدق لسان ومعرفة أنه حضر بموضع يجلب إليه الدقيق للمبيع ويجلب إليه للشراء ولزمه المقام به إياما وبه قوم معدون للوزن بالربع والعمود فرأى من فسادهم عجبا ومن تخليطهم ما أوجب التحدث به عنهم وذلك أن الوارد بالدقيق إذا وصل إليهم اجتمعوا إليه وسألوه عن موضعه وأحواله وكيفية أسعار موضعه وكيف اشترى الطعام وما صدق الكيل له من الوزن وفي أي رحى طحن فإن كان بدويا وأجابهم أنه أخذ الطعام من إصابته حزرا دون كيل وسمى لهم الرحى التي طحن فيها أمكنتهم المؤاربة فيه والحيلة عليه وأمهنوا دقيقه بكل وجه وجعلوا النقص الذي يظهر في ذلك في جانب الأخذ بالحرز دون الوزن وفي أي الرحى كثيرة التغير معلومة الاخسار والرحوي الذي فيها مشهور السرقة، وتولى الوزن المذكور واحد منهم فتارة يأخذ الدقيق من العدل في قفة الوزن ويفرق بكلتي يديه في الأرض ويطيل المدة في ذلك ويفرق المجتمع في الأرض برجليه ليغفل عنه صاحب الدقيق، ويواعد الوزان لذلك نساء من السعادة يكنسونه ويجمعونه ويقسمون مع الوزان آخر النهار، وتارة يأخذ في القفة أكثر من الربع ويوقف قدمه على عقبها يرفد القفة بها وينقص منها غرفة بعد غرفة حتى يطول الأمر ويعلم أنه بقي زائدا على الربع ثلاثة أرطال أو أربعة فيخطف القفة بسرعة من العمود ويفرغها في وعاء رجل يعرف مواطأته له على ذلك حتى يحاسبه بعد ارتفاع السوق على نصف الربع زائدا أو أزيد من ذلك، وتارة يلتمس القفة من البائع ويفرغ الربع كله في وعاء رجل معد لذلك فيمضي به بين الناس
1 / 16
وربما يشعر له صاحب الدقيق فيصيح به ويثقل نفسه بالوزن والعدد ولا يجيبه إلا بعد أمد بعيد فإذا عرفه أنه دفع ربع دقيق لمن لم يدفع له ثمنه غالطه وقال له: قد كان دفع لك الثمن ووزنته عليه، أليس الرجل الذي صفته كذا ولباسه كذا، ويوافقه شريكه على ذلك ويشهد له بالدفع فيخسر المسكين وهو على حق.
وإن كان صاحب الدقيق من المحتكمين الذين قد خبروا الأمور وعرفوا نقائض أولئك الوزانين عرفهم بالسوم والأصداق والتحفظ في الطحن حتى لم يوجدهم سبيلا إلى قصدهم منه لم تكن حيلتهم معه إلا أن يدسوا له من يغالطه بالمدلس ويغلطه في العدد ولا يمكنه مع كيسه أن ينفصل عنهم سالما منهم، ولقد اجتمعت يوما مع قوم من التجار المسافرين وتحدثنا مليا إلى أن قال أحدهم: أخبركم بما اتفق لي مع رجل يبيع التين الإشبيلي المعروف بالشعري وذلك أني كنت مع رجلين من الأصحاب ومررنا برجل يبيع التين المذكور وبين يديه عدل وعليه ثلاثة من التين في غاية من القد ونهاية من اسوداد اللون وبدع من التخطيط الأبيض فاستطرفنا ذلك النوع واعجب كل واحد منا به وافترقنا عنه وصار كل واحد منا إليه وهو يخفي مسيره عن صاحبه ليحوز تلك الثلاث التي كانت على العدد واشترى كل واحد منا التين وبايعه بوزن تلك الثلاث فلما وصل كل واحد منا إلى بيته من الخان الذي كنا فيه أفرغ التين من وعائه ولم يجد تلك المقصودة فيه واختبر مشتراه بالوزن فوجده صحيحا فعجب مما اتفق له وأخبر صاحبيه بذلك فوجدهما على مثل ذلك، ولما سرنا باسطوان الخان المذكور على عادة المسافرين قال أحدنا: اتفق لي اليوم أيها التجار كيت وكيت ولقد رأيته وضعها في الوزانة ووزنها ثم أفرغ الوزانة في الوعاء الذي دفعت له، فلما سمع الحاضرون ما وصف لهم ضحك
1 / 17
واحد منهم وقال: يا أخي قد اتفق لي ذلك مع هذا الرجل وأتعب أمره خاطري ولما بلغ مني جعلت ألاينه لأكشف عن مدكته حتى رأيته أول ما يجعل في الوزانة تلك الثلاث المقصودة ويلصقها بركن الوزانة فإذا وزن رجح الميزان بمثل نصفها فإذا أخذ الوزانة من الميزان أخذها من قعرها وعض بيده على الركن الذي ألصق التين به وأمسكه فيها ثم أفرغها في الوعاء وبقي في الوزانة الثلاث المذكورة ثم رمي بالوزانة المذكورة إلى جانبه بموضع فارغ قد أعده إلى ذلك لتقع في فراغ ولا يشعر بها أحد فإذا ذهب المبتاع أخرجها وجعلها في موضع العدل وغير ما علمت بما يعمل جئته وقلت له: كم ثمن هذه خاصة، واستشعر ما إليه قصدت قبل على يده وقال: يا مولاي إذا جئتني وقد فرغت من العدل خذها بلا ثمن.
ولما كانت الاختراعات لا تحصر والحيل لا تحصي رأيت أن اكتفي في كل باب بمقدمة يستدل بها على ما سواها قصدا للاختصار تركا للتطويل.
وشأن المحتسب مع هؤلاء الأصناف إن يختبر موازينهم حتى تكون على النوع الأحق وتكون صنوجهم دون حلق مطبوعا عليها ولا مغشاة بجلد ولا تكون من الحجارة الرخوة كالسبخ وبعض الجندل الأبيض فإن ذلك من الخفة بحيث يخيل الناظر صنجة الرطل أنها صنجة الرطلين.
ويمنعهم أن يزلوا للناس بحجارة ينحتونها بأيديهم ويعدلها بعضهم لبعض ويخسرون الناس وإذا رأوا المحتسب يرمونها الزقاق أو يرفدون بها أطباقهم وكراسي سلعهم ويعتذرون عنها متى طلبوا بصنوجهم.
ويأخذهم بأن يعرضوا موازينهم في أوجه حوانيتهم ويجلس البائع من داخل الحانوت والميزان بين يديه بحيث تكون الكفة التي للوزن على يمينه والكفة التي لا صنوج لها على شماله
1 / 18
ويتخذ بائع الفاكهة اليابسة وعاء للوزن من الدوم أو ما شاكلة شرحيا لا يخفي من خارجة ما في جوفه، وبائع الفاكهة الرطبة وعاء من الحلفاء وما شاكلها كالصناج ويتعاهده بالغسل والتفليس لما يعلق به من النداوة والغبار ويجعل نقل ذلك الوعاء من الرصاص وغيره مستطيلا بحلقة مبشوسة فيه يخالف أشكال الصنوج ولا يشبهها حتى يكون المشترى على ثقة من التلبيس والخلابة.
ويضع الدقيق وما شابهه بالكفة دون وعاء الوزن، وكذلك يأخذ أصحاب الأكيال بأن تكون صفائح أكيالهم المعترضة في أوسطها مساوية صفائح أجنابها ويكون العود الذي يمسح به على أفواهها قويا غير لدن كالقبطال الذي للبناء ولا ينحني بوجه ويماس الصفائح بالأجناب والوسط على نهاية الاعتدال عند المسح به، هذا إن كان الكيل بالممسوح وإن كان الكيل بالمكتال فتكون حافاتها من الضيق بحيث لا يحتمل التركيب.
ويأخذ الكيال بأن يضع الكيل على قعة جالسا ويصب فيه الزرع بيديه معا ولا يمر بهما وبذراعيه على فمه أن يستوي مثله ويحذره من هذه وهذه صفة الحق فيه، ومتى صنع الكيال الكيل على طرفي ركبتيه وجعل فيه الزرع وهو على جانبه حتى يتحصل فيه قدر نصف ما يحتمل أو ثلثيه ثم أزال ركبتيه وأقعد الكيل على قعره وأفرغ الزرع حتى يمتلي ويمسح عليه أو يستوفيه إن كان مكتالا وكذلك إذا وضع الكيل على جانبه وملا منه بالزرع قدر نصفه أو ثلثيه ثم أقعده بقوة على قعره وصب فيه الزرع بيديه معًا إلى كماله أو مر على فم الكيل بذراعيه ويديه أو هزه فإنه يزيد بكل وجه من هذه
1 / 19