من الريح. فمهما قرب منه قده وأهلكه من سائر نواحيه. وإذا الكنز في أرض القبة تحت الطلسم، فلم نزل نعمل في قلعه كل حيلة بالرجم بالحجارة، وغير ذلك، وهو أحكم من هذه الحال، إلى أن قرب
الليل، وخفنا الأفاعي التي في القصر، فخرجنا ولم نحظ إلا بقفل الذهب، فإنه كان فيه نحو خمس مئة
مثقال. وإذا على صدر الطلسم كتابة يلوح فيها هذان البيتان:
تعب يطول لطامع في نيل ما أمسيت جامعة فقل لا تطمع
واسترزق الله العلي مكانه ودع التطلب للمطالب واقنع
وانصرفنا راجعين إلى مصر، وآليت أن لا أسافر في طلب الكنوز بعدها. حدثني فتى من أهل الموصل قال: كنت سائرا بالساحل في طريق مكة، وإني لفي بعض الطريق إذ
سمعت صوتا - ولا أرى أحدا - وهو يقول:
نفسي الفداء لنفس كل غريب وفداء كل مفارق لحبيب
لعبت به الأيام في تصريفها ونأت به عن صاحب وقريب
فحفظت البيتين، ولما وصلت إلى جبل بالقرب من الموضع كتبتهما على جانبه. ومضيت فأقمت
بالرملة شهورا، وعدت فاجتزت بالموضع الذي كنت كتبتهما فيه، فإذا تحته مكتوب:
نحن نفديك يا ظريف الفعال أبدا بالنفوس والأموال
أثقلتنا الأبيات بالشكر حتى قد ضعفنا عن نيله بمقال
أنا ممن نأى وفارقه الإل ف فأمسى مغير الأحوال
ولعل الزمان يرحم ضعفي فتعود الأيام لي بالوصال
ولا أدري لمن الشعر الأول والثاني.
حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله الواسطي الصوفي - وكان حلوا من بين الصوفية - قال: اجتزت
بسر من رأى يوما. فقصدت المسجد الجامع، فإني لعلى نحو من ثلث المنارة أقرأ خطوط الناس
بحضورهم فأعجب من كثرتها إذ قرأت بين الخطوط: حضر الهارب من الله إليه، والمتوكل في كل
صفحة ٢٣