إن كان هذا الحمار في كفن وقبة، إنني بلا كفن فعلم أن بعض الغرباء المنقطع به، كتبهماوحدثني أبو عمر يحيى بن عمر قال: حدثني شيخ من الكتاب - أسماه ونسيت اسمه - قال: قرأت
على حائط من أبنية المتوكل في سر من رأى، وأظنه من حيطان البيت المعروف بالغريب مكتوبا:
أنفقت الأموال واستنفدت وشيد البنيان للدهر
فحين تم الأمر في ملكهم صاح بهم حاد إلى القبر
فصير الدور خلاء ولم يمهل أخا عز ولا قهر
وعلى ذكر سر من رأى حدثني أبو بكر محمد بن عبد الله الأصفهاني الكاتب قال: حدثتني عجوز
من جواري الواثق قالت: كنت ممن يأنس بها المقتدر وينبسط إليها. وكان من أحسن خلق الله تعالى
ضربا بالعود، وأشجاهم صوتا. وكان شديد الكتمان لذلك، فإذا خلا مع جواريه وخواصه ومعي ضرب
وغنى، فينصت كلنا إلى غنائه، ويلحقنا من الحيرة ما يبكينا ويذهب بعقولنا. فغنى يوما صوتا لن
تعرفه جارية ولا عرفته. فلم نزل نستعيده حتى حفظناه. وكانت طريقته خفيف ثقيل، وهو:
إنعم بحسن البديع الكامل ما دام ريب الزمان كالغافل
كأنني ناظر إلى زمني ما هو من بعد ميتتي فاعل
يا سر من رأى سقتك غادية من الغوادي غزيرة الوابل
فقلنا: يا مولانا، ممن سمعت هذا الصوت، فإنا لا نعرفه؟ فقال: أنشدني هذه الأبيات المعتضد بالله،
قال أنشدنيها الموفق، قال: أنشدني الواثق لنفسه، واللحن لي. فحفظته الجواري. فقلنا شعر خليفة،
ورواية خليفة، ولحن خليفة. ومضى له زمان كقطع الرياض. وبسر من رأى آثار حسنة وأبنية عظيمة للمتوكل والمعتمد وغيرهم من بني العباس، بعضها باق
إلى اليوم. وحدثني بذلك جماعة منهم أبو عمر يحيى بن عمر قال: قرأت في بعض الدواوين أن
صفحة ١٢