ـ[أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب]ـ
المؤلف: أبو الخطاب عمر بن حسن الأندلسي الشهير بابن دحية الكلبي (المتوفى: ٦٣٣هـ)
تحقيق: محمد زهير الشاويش
تخريج: محمد ناصر الدين الألباني
الناشر: المكتب الإسلامي
الطبعة: الأولى ١٤١٩ هـ - ١٩٩٨ م
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي]
صفحة غير معروفة
جميع الحقوق محفوظة
الطَّبعَة الأولى
١٤١٩ هـ - ١٩٩٨ مـ
المكتب الإسلامي
بيروت: صَ. بَ: ٣٧٧١/ ١١- هَاتف: ٤٥٦٢٨٠ (٠٥)
دمَشق: صَ. بَ: ١٣٠٧٩- هَاتف: ١١١٦٣٧
عَمّان: صَ. بَ: ١٨٢٠٦٥- هَاتف: ٦٦٠٥ ٥ ٤٦
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
بقلم: زهير الشاويش
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (١) .
_________
(١) هذه الخطبة تسمى عند العلماء ب "خطبة الحاجة" وقد خرجها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وهي من مطبوعات المكتب الإسلامي.
1 / 3
أما بعد:
فقد يسر الله لي مخطوطة هذا الكتاب.
"أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب"
فنظرت فيه ووجدته -بالجملة- من الكتب النافعة في توضيح السنة المطهرة لنوع من العبادة المبتدعة اشتهرت في زماننا، كما كانت مشتهرة في زمن المؤلف. وهي صيام جميع شهر رجب، وأحيانا متابعته بشهر شعبان المعظم في الصيام، ووصلهما مع الشهر المفروض صيامه؛ رمضان المبارك.
وقام أحد الإخوة الأكارم بنسخه، ووضعت عليها التعليقات التي وجدتها مناسبة، ثم قدمته إلى الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ليخرج أحاديثه، كما كان الأمر بيننا أيام عمله في المكتب الإسلامي. فقام بذلك ثم شارك ببعض التعليقات -جزاه الله خيرًا- وقد أثبت كل ما قاله، أو نقله مختومًا ب: (ن) .
والكتاب وإن كان مختصًا بأمر متعلق بعبادة مبتدعة، كان يكفي لردها صفحات قليلة، تقنع الذي يريد اتباع السنة المطهرة الواردة عن سيدنا رسول الله ﷺ.
غير أن المصنف ﵀ توسع فيه بإيراد الكثير من علوم السنة المطهرة لأدنى مناسبة تجمع بينها، فجعله كتاب
1 / 4
علم نادر في أبحاثه، فنجده ينتقل من بحث إلى غيره. ولا نكاد نرى أن هناك رابطًا واضحًا بينهما ... ولكن عندما تمر بأبحاث الكتاب تراه يربط بينها برباط دقيق متقن، وعلم يدل على توسعه وإحاطته الشاملة، فجعل الكتاب يلزم القارئ بما قدمه إليه من علم نافع.
وقد تعرض لعدد من العلوم والأمور مبينًا أحكامها زيادة على موضوع صوم رجب.
ففي الصفحة ١٨ رد على المتبعين للحديث الموضوع:
"من أخلص لله أربعين صباحًا" لما بنوا عليه من خروج "الحكمة على لسانه" ... وما ترتب على ذلك من مخالفات ومنها: اتخاذ الخلوة المبتدعة المؤدية إلى ضلال بعض المتصوفة.
وفي الصفحة ٢٠ حديث عن خلق العقل، ومخالفته للأحاديث الصحيحة في أن أول مخلوق هو العرش، والذي أدى إلى زعم بعض المتصوفة؛ بأن أول مخلوق هو نور نبينا محمد ﷺ، أو أن الله خلق الكون من أجله صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم، ثم أدّاهم ذلك إلى وحدة الوجود، وهو الكفر الذي ما بعده كفر!!
1 / 5
وبعدها تعرض إلى صلاة نصف رجب وشعبان، وما سمي ب "صلاة الرغائب "، وما زادوا على ذلك من عبارات ما أنزل الله بها من سلطان.
وفصّل موضوع الذبائح في رجب، وعرّج على الأضاحي، وانظر استطراد الشيخ الألباني عليه في تعليقه.
ثم بين ما رخص به المبتدعة من الكرّامية من رواية أحاديث باطلة بالرقائق، وتعليقي على أمثالهم في أيامنا، واختراعهم عدم استمرار نبوة محمد ﷺ بعد وفاته، وخلافهم مع ابن فورك مما كان سبب موته.
وفي الكتاب أبحاث كثيرة من علوم الحديث وروايته، وحكم الإجازات، وأكثرها ممن روى عنهم مباشرة من علماء زمانه، وبعض أسانيده وجدتها بعد المقارنة على ما عندنا، عزيزة نادرة.
وأضاف إليها العديد من إجازات العلماء له خاصة بكتب لا نكاد نرى لها اتصال فيما لدينا عن هذه الكتب. مما حفظ لنا الكثير من اتصال أسانيد هذه الكتب بمؤلفيها.
وفي الصفحة ١٢٠ رد الشيخ الألباني على المسمين ب: (القرآنيين) منكري السنة.
1 / 6
وفي الصفحة ١٢٩ حكى الشيخ ناصر عن الحديث المنقطع، وفي الصفحة ١٣٨ تعريف الحديث الحسن، ورأي الشيخ ناصر في ذلك، وتابعه في تعليقه على الصفحة ١٤٠ وهو بحث مفيد، وفي الصفحة ١٤٧ رد الألباني على ما سماه مجازفات للمصنف.
وعلقت عليها بما يوضح المراد، وفهرست لموضوعات الكتاب وأحاديثه وألفاظه وأسماء الكتب فيه.
وأسأل الله أن ينفع به ويعلمنا ما لم نعلم، إنه سميع مجيب وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
بيروت ٣ جمادى الآخرة ١٤١٩
٢٣ أيلول ١٩٩٨
1 / 7
ترجمة المصنف
عمر بن حسن بن دحية الكلبي (*)
ولد سنة (٥٤٤)، وقيل (٥٤٧) من أهل سبتة (١)، وتولى قضاء دانية. كان من حفاظ الحديث بصيرا به، وبلغة العرب وأشعارها، وأيام الحروب.
اجتمعت له الإجازات الكثيرة بالرواية عن علماء عصره، له محفوظات وافية، وأدب ظاهر فصيح العبارة.
ظاهري المذهب في الفقه، حصّل من العلوم ما لم يتيسر لغيره، وكان من أوعية العلم، سريا نبيلا من أعيان العلماء.
رحل من الأندلس إلى المغرب والشام والعراق وخراسان،
_________
(*) كان اسمه في المخطوطة (حسن بن علي) وبعد جهد تأكدنا أن ذلك خطأ من الناسخ، وفي "نفح الطيب" ١/٣٧٤ جعل أبوه (الحسين) ولعله تصحيف أيضا، والحمد لله رب العالمين.
(١) في كل تراجمه جعلت سبتة من الأندلس، مع أنها من الساحل المغربي، على بحر الزقاق. وحتى الآن فيها استعمار إسباني.. اللهم إلا إذا كان في الأندلس مدينة أخرى بهذا الاسم، فقد كان من عادة أهل الأندلس تسمية بلادهم بأسماء مدن معروفة في الشرق.
1 / 8
واستقر في مصر، وكانت له منزلة رفيعة عند الملك الكامل، ونال عنده دنيا عريضة، وجاهأ واسعاَ. وجاء في ترجمة الملك الكامل: "أنه كان مشغوفا بسماع الحديث النبوي، وتقدم عنده أبو الخطاب ابن دحية، وبنى له دار الحديث الكاملية بين القصرين بالقاهرة". وكانت له مكتبة حافلة جدًا، جمع فيها ما لم يتيسر لغيره ولا حتى للملوك.
وله العديد من المؤلفات منها:
كتابنا هذا، و"المطرب من أشعار أهل المغرب" و"الآيات البينات"، و"نهاية السول في خصائص الرسول"، و"النبراس في تاريخ خلفاء بني العباس"، وغير ذلك.
كان كثير الهجاء للناس، بل حتى لبعض الأئمة- تبعًا لشيخ مذهبه الإمام علي بن أحمد بن سعيد بن حزم- فقام الناس عليه وكذبوه، وتناظر مع الشيخ تاج الدين الكندي.
كان سنيًا مجانبًا لأهل البدع، وكتابه هذا، ردّ به على من زعم من المتصوفة وغيرهم إيجاب صيام رجب، بل الأشهر الثلاثة.
وألف كتاب "التنوير في مولد السراج المنير"، صنفه عند قدومه إلى إربل سنة (٦٠٤)، لما رأى صاحبها مظفر الدين كولبري معتنيًا بعمل الموالد كل عام، فهو أول من اخترع بدعة
1 / 9
الاحتفال بالمولد، ولم تكن قبل ذلك، مع أن محبة سيدنا رسول الله ﷺ موجودة في القلوب والأعمال، وواجبة في الاقتداء والاتباع بكل الأحوال.
توفي في مصر في (١٤) ربيع الأول سنة (٦٣٣)، وعمره (٨٧) سنة.
1 / 10
إهداء الكتاب
إلى الملك الكامل ابن العادل ناصر الدين (*)
أمْلاه للْمقام العالي المَولَويّ السيدي السُّلطانيّ الملِكي الكَامليّ الناصري، سُلطانُ الإسلام والمسْلمين، سَيّد الملوكِ والسَّلاطين، محي سُنّة سَيد المرسلين، مُظهِر العَدْلِ في العَالمين، مولانا المَلِك الكامِل ناصرُ الدّنيا والدّين.
خليل أمير المؤمنين خَلّد الله أيامَه، ونَصَر أعْلامَهُ، وأطال عُمره للبريّة، يغْمرُها إحسانُه وامتنانُه، ؤللبَسيطة يَعْمرها عذلهُ وَأمانهُ.
_________
(*) هو أبو المعالي السلطان الكامل محمد. ولد سنة ٥٧٦، وتوفي سنة ٦٣٥، ودفن بدمشق. تملك الديار المصرية تحت جناح والده العادل أبي بكر محمد مدة عشرين سنة وكذلك بقي بعد والده عشرين سنة أخرى. وتزوج ابنة السلطان صلاح الدين الأيوبي ﵀، وتملك دمشق قبل موته بشهرين.
وكان صحيح الإسلام، حسن الإعتقاد، معظمًا للسنة=
1 / 11
أصْغر (#) عبِيد الله ذو النسبين بن دِحْيةَ، والحُسين ﵄ وأبقاه، أبو الخطاب ابن الشيخ الإمام الفاضل ذي الحَسبين والنسَبَين:
أبي عَلي حسَن بن علي، سبط الإمام أبي البَسام الفاطِمي الحُسَيني الكوفي.
أمتَع الله الأمة بطولِ بقائه، وزادَ فِي حِرَاسة مَجدِه وكبت أعدَائِه.
_________
= النبوية، محبًا لمجالس العلماء وفيه عدل وكرم وحياء. وله هيبة شديدة، حازمًا في جميع أموره، لا يضع الشيء إلا في موضعه، من غير إسراف ولا تقتير.
وكان يلقب ب (خليل أمير المؤمنين) و(خادم الحرمين الشريفين) وخطب باسمه في مكة المكرمة. وله في اتساع ملكه حسنات كثيرة. وأخذ عليه تسليمه بيت المقدس إلى الفرنج لمدة بسيطة، أثناء الحروب بينه وبينهم، ووجود التتار في المنطقة، والاضطرابات الداخلية.
(#) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: (أصغرُ) هو فاعل قوله (أمْلاه للْمقام العالي. . .) الماضي في الصفحة السابقة
1 / 12
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي رفعَ لحديث محمّد المصْطفى عبْده ورَسُوله لواءً منشورًا، وأطْلَع على الأبْصار والبصَائر من معْجزاته أهِلَّة مُشرقةً وبدُورًا، وجعل عَاقبةَ أهل الصِّدْق عُلوًّاَ دائمًا وظهورًا، وَعَمَر بتصانيفهم عَينًا قريرةً وقلبًا مسرورًا، وَوضعَ لهمْ في رقاب الكذابين سْيفًا في ذات الله ناصرًا منصورًا، وَأبانَ بِشفَارِ الدِّين قومًا كانوا بالضلالة بُورًا (١)، وَرَدَّ ناكصًا على عَقِبيه من سوَّلَ لَه الشيطانُ الكَذِبَ عَليه بما يَعِده، وما يَعِدُه الشيْطانُ إلّا غُرورًا.
والصَّلاة على سَيدِ وَلد آدم محمّدٍ رسوله الكريم، ذي الخُلُق العَظِيم، وَالشرفِ الصَّميم (٢)، الذي غَدا به دَمُ الشركِ مهْدُورًا، ودَابِرُهُ مقطوعًا مَبْتورًا، فَهدمَ من الباطِلِ سَقفًا مرفوعًا وبَيْتًا معمُورًا.
_________
(١) البوَار: الهلاك، وبار الشيء يبُور بَوْارًا إذا هلك. والرجُل بورٌ أي هالك. وفي التنزيل (وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا) [الفتح: ١٢] .
(٢) صميم الشيء: خالصه. مختار الصحاح مادة: صمم.
1 / 13
وعلى آلهِ وأصْحابِه الّذين غَدا بهم حزبُ الشريعَةِ مَوْفورًا، وجمْعُ الشرك مغلُوبًا مَقهوراَ، فهم خيْر الناسِ وَخيْر القرونِ، وَكِلا الخيريْن لهُم خيْرٌ مَقْرون، قارَعُوا دُونَ رسول الله ﷺ البُهَم (١)، وَبايعُوه عَلى الموتِ الأحَمْر (٢)، فصَدَقوا البَيْع وَوَفّوا الذممَ، وَلم يَقولوا: اذهبْ أنْتَ ورَبك فَقَاتلا كما قال منْ تقدّم، فكانوا خُلَفَاءَ الخلْقِ وَفَتحةَ الغَرب والشرق، وَقد نَطقَ بِفضْلهم القُرآنُ (٣)، وقامَ الدَّليل القاطعُ على عَدَالتِهم وَالبُرْهان، وهُم الذينَ أمَرهم بالتبليغ عَنه ففَعَلوا ذَلِكَ مُحْتسبين نَاصِحين حتى كمُل بما نقلوه الذين وثَبَتتْ حجّة الله على جَميع المسْلِمين، وَقد أخْبَرنا الله ﷻ أنّه رضي عَنهم، وأنْزل السَّكيْنةَ عليْهم، فَقدْ صحّتْ لهم العِصْمةُ مِن
_________
(١) البُهم: جمع بُهْمَة، وهو الفارس الذي لا يدري من أين يؤتى من شدة بأسه، قاله أبو عبيد.
(٢) يُقالُ احمرَّ البأسُ: أي اشتد.
(٣) بمثل قوله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) [الفتح: ٢٩]، وغيرها من الآيات الكريمة.
1 / 14
تَعمُّد الفُسوق، على رَغم كُل رافِضي مُعانِد (١) إذْ لا تجتمعُ السكيْنةُ والفِسْقُ في قَلبٍ واحد.
وَلمّا كثر اخْتِلاف الناسِ في هذا الشهرِ المُسَمَّى بِرجَب، وَقل العارِفُ به المتكلّمُ فِيه بمَا وجَب، حتى قال بَعضُهم فِي نهاره بِفَضيلةِ صِيَامِه، وَنَزَعَ بَعضُهم في لَيْلهِ إلى الاعْتِناءِ بِقيَامِه، وَجَعَله منْ لا يدري مفضلًا على الشهور، وَزاده فضيلة على الأربعة الحرم في المذكور، وَكثر الخبط في ذلك بين العوام، وَلم يكن من الخواص من يعرف ما فيه من الكلام، تعينَ في شرع الله عليَّ من جهة ما ألقى زمامه من العلم إليَّ أنْ أخص هذا الشهر بما فيه، وأتكلم على جملة معانيه، بما يجمع بيْن الشرح والتفسير، وذكر ما صَحّ عن البشير النذير، رفْعًا للكذب عن رسول الله ﵊، وعملًا بمقتضى ما اقتضاه الكلام.
_________
(١) يلاحظ أن المؤلف ذكر الرافضي المعاند، وهو الذي رفض الصحابة الكرام، وسماهم بذلك الإمام علي زين العابدين ابن الحسين ﵁ واصفًا إياهم بهذا الوصف. وأما من اختلف في تقديم صحابي على غيره فأمره أسهل، ولا يوصف ب (الرفض) إذا أقر بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان ﵃.
1 / 15
ثُمَّ جعلته لخدمة المقام السلطاني الملكي الكاملي الناصري، سلطان الإسلام والمسلمين، سيد الملوك والسلاطين، محيي سنة سيد المرْسلين، ومظهر العدل في العالمين، ناصر الدنيا والدين، مولانا الملك الكامل خليل أمير المؤمنين، أدام الله أيامَه، وأعلا مقامه، مخْصوصًا وبالدعَاء لدولته ناصًا وَبالثناءِ عليه منصوصًا، لأنه أشرف الملوك قدرًا، وأكملهم في سماءِ المعارف بدْرًا، وأقومهم بشعائر الدين، وأفضلهم جرْيًا على سَنَن المهتدين، أدام الله بهِ للدين انتصاره، وضاعف له على ملوك الأرض اقتداره، وأخْدمهُ أبدًا أقداره (١) .
_________
(١) لا تخلو هذه التزكية من شيء، فإن هذا الطلب الأخير مع أنه من باب طلب ما لا يكون، وذلك من الاعتداء في الدعاء، وهو مذموم فيما صح عنه ﷺ من قوله: "سيكون في أمتي أقوام يعتدون في الدعاء والطهور" [يشير إلى حديث عند أحمد وأبي داود عن سعد (ز)] .
فإنه مع ذلك فيه طلب الاستعلاء على القدر وجعل الملك مخدومًا له، وهذا أمر ظاهر بطلانه. وإنما أوقع المؤلف- غفر الله لنا وله- في هذه الخطيئة غلوه في مدح ملكه، والاطراء عليه، وصدق رسول الله ﷺ في قوله: "المدح هو القزع"!. (ن) .
1 / 16
وهذا حين ابتدائي وأقول -والله حسْبي ونعم الوكيل-: فأولُ من تكلم في التعديل والتجريح ونفْي السقيم من الصحيح الخليفة أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب الفاروق، وعلي بن أبي طالب المرتضى، وزيد بن ثابت، فإنهم قد جَرَّحوا وعدَّلوا وبَحثوا عن صحة الروايات وسقمها، ذكر ذلك الحاكم في النوع الثامن عشَر من "علوم الحديث "، وَقد ذكر مسلم في مقدمة "صحيحه" عن ابن عباس أيضًا مَا يدل على اعتنائه بالتعديل وَالتجريح.
وقد كان في آخر عصرهم جماعة من المفسدين الذين يريدون إفسادَ الشريعة على أهْل الدين، فبادروا إلى أنواع الفساد، تارةً في المتن وكرّةً في قلب الإسناد، لما لم يمكنهم تبديل كلمة من القرآن لحفظ الله ﷿ له -وقدْ بُدّلت الكتبُ قبله- فزادوا في حديث رسول الله ﷺ أحاديث موضوعة وأسانيد مصنوعة، الفقيه يقلد التعليق (١) ولا يعرف التحقيق،
_________
(١) لا أذكر أني رأيت شرحًا لهذه الكلمة "التعليق" في مثل هذا السياق في شيء من الكتب، والذي يبدو لي من استعمالهم لها أنهم يعنون بها بعض الكتب الفقهية التي يورد مؤلفوها فيها شتى أحاديث=
1 / 17
كقولهم على رسول الله ﷺ:
"أئمتكم شفعاؤكم، فانظروا بمن تستشفعونَ ".
وهو حديث لا يصح أصْلًا، ومن نسبه إلى رسول الله ﷺ فقد أظهر غباوةً وجهلًا. والمتعبد يتعب نفْسَه، ويوتم أولاده وَيَرْوي:
"من أخلص لله أربعين صباحاَ، ظهرت ينابيع الحكمة من
_________
= الأحكام بدون إسناد ولا تخريج، بل يعلقونها تعليقًا على نحو ما يفعل البخاري أحيانًا في "صحيحه".
وقد قال ابن الجوزي في مقدمة كتابه "التحقيق في مسائل التعليق":
"كان السبب في إثارة العزم لتصنيف هذا الكتاب أن جماعة من إخواني ومشايخي في الفقه كانوا يسألوني في زمن الصبا جمع أحاديث التعليق (#)، وبيان ما صح منها وما طعن فيه، وكنت أتوانى عن هذا لسببين:
أحدهما: اشتغالي بالطلب.
والثاني: ظني أن ما في التعاليق من ذلك يكفي، فلما نظرت في التعليق رأيت بضاعة أكثر الفقهاء في الحديث مزجاة، يعول أكثرهم على أحاديث لا تصح، ويعرض عن الصحاح، ويقلد بعضهم بعضًا فيما ينقل ". (ن) .
(#) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: مقصود ابن الجوزي هنا - والله أعلم - هو كتاب «التعليق الكبير في المسائل الخلافية بين الأئمة» الذي ألفه القاضي أبو يعلى الفراء (المتوفي ٤٥٨ هـ) وهو في ١١ مجلدا (كما وصفه ابن تيمية)، يذكر قول الحنابلة بالروايات عن أحمد وأصحابه، ثم قول من وافقهم ومن خالفهم، ثم يناقش أدلة الطرفين وينتصر لمذهب الإمام أحمد
1 / 18
قلبه على لسانه " وهو حَديث موضوع (١) .
والوُعاظ يروون للعوام جملة مِن الترّهات ليجْمعوا بها الدُّرَيْهمات كحديث قُس بن ساعدة، وحديث هامة بن الهيم، وزُرَيْب، وأحاديث الأشج المُعَمَر، وخِراشٍ، وبُسْر، وَيغْنَمَ، ونَسْطُورِ الرومي، وحديث عُكاشة في القصاص، وهو منْ وضع عبْد المِنْعم بن إدريس وكان من القُصاص (٢) .
وحَديث عُمَر بن الخطاب عن الحَسن وَالحسين ﵃ ونصُّه:
_________
(١) وكذا قال ابن الجوزي والصنعاني، والصواب أنه ضعيف كما بينّاه في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" رقم (٣٨) الجزء الأول طبع المكتب الإسلامي. (ن) .
وكتب بعضهم على هامش الأصل ما ملخصه أن الحديث في "الجامع الصغير" عن الطبراني والبيهقي، وأن المناوي قال في شرحه: وإسناده حسن. وذلك كله خطأ محض، فإن هذا التخريج إنما هو في "الجامع" لحديث آخر قبيل هذا، بل المناوي في شرحه "فيض القدير" يميل الى وضع هذا تبعًا لابن الجوزي، على أن في تحسين الحديث المشار إليه نظرًا لا مجال الآن لبيانه. (ن) .
(٢) وانظر في أخبار القصاص كتاب "أحاديث القصاص" لشيخ الإسلام ابن تيمية، وقد حققه العالم الجليل الدكتور الشيخ محمد بن لطفي الصباغ، وهو من مطبوعات المكتب الإسلامي.
1 / 19
بسم الله الرحمن الرحيم، حدثني سيدا شَبَاب أهل الجنة، عنْ أبيهما المرتضى، عن جدهما المصطفى ﷺ أنه قال: "عُمر نور الإسلام في الدنيا، وسراجُ أهل الجنة في الجنة" وأوصى أن يجْعلَ ذلك في كفَنه على صدره فوُضع، فلما أصبحُوا وجدوه على قبره وفيه: صَدق الحسن والحُسين، وصدق أبُوهما، وصَدق رسول الله: "عُمَر نور الإسلام، وسراجُ أهل الجنة".
وَأحاديثُ العقل على كثرة طرقها:
"إنْ أول ما خلق الله العقلَ" وحديث أبي أمامة قال: قال ﷺ:
"لما خلقَ الله العقل قال له: أقْبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدْبر، فقال: وعِزّتي ما خلقت خلقًا هو أحب إليّ منْك، بكَ آخذ وبك أعطي، ولك الثواب وعليك العقاب " رواه الحافظ أبو جعفر العقيلي وقال: ولا يثبت في هذا الفن شيء بوجه، قال الإمام أحمد: هذا الحديث موضوع ليس له أصل، وقد وضع ميسرة بن عبد ربه فيه حديثًا ورواه عن موسى بن عُبَيْدة، عن الزهري، عن أنس، عن النبي ﷺ.
1 / 20