92

موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين

محقق

علي الرضا الحسيني

الناشر

دار النوادر

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣١ هجري

مكان النشر

سوريا

تصانيف

يقولون: إن الأدلة الكونية التي أوردها القرآن ليتوصل بها الإنسان إلى الإيمان بالخالق - جل شأنه - ترجع إلى نوعين: دليل الإبداع؛ كاختراع الحياة في الجماد، ودليل العناية؛ أعني: عنايته تعالى بالإنسان. ويظهر هذا بالنظر إلى منافع ما في الأرض؛ فإنه يجدها على وفق ما يقتضيه وجود الإنسان، وتنتظم به شؤون حياته. وفي هذا المعنى ورد قوله تعالى:
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾:
أي: إنه خلق جميع ما في الأرض، من نحو الحيوان والنبات، والمعادن والجبال من أجلكم، فهو المنعم بها عليكم لتنتفعوا بها في دنياكم، وتتقووا بها على طاعته. وفي الآية شاهد على أن الأشياء التي فيها منافع مأذون فيها حتى يقوم دليل على حرمتها.
﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾:
﴿اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾: أقبل وعمد إليها بإرادته، وتسويتها: تعديل خلقها وتقويمه. والسماء لم يُرَد منها فرد من أفراد السموات، وإنما أريد منها الأجرام العلوية الشاملة لجميع السموات، فصح أن يعود عليها ضمير جمع الإناث في قوله: ﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾. وكذلك يقول علماء العربية: إن اللفظ إذا أريد منه جنس ما وضع له؛ أي: المعنى الذي تشترك فيه أفراده، صار في معنى الجمع؛ لأن الجنس يتحقق في أفراد متعددة. وهذا الوجه في الاستعمال من أفصح الأساليب العربية التي تعتمد على رعاية المعاني دون التقيد بظواهر الألفاظ.
﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾:
هذه الجملة مقررة لما ذكر قبلها من خلق السموات والأرض وما فيهما

1 / 58