ونفي الخوف والحزن ورد في الآية على وجه الإطلاق، وظاهره: أن المهتدين لا يعتريهم الخوف ولا الحزن في دنياهم، ولا في آخرتهم، ولكن قوله فيما يقابله من جزاء الكافرين: {أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} يرجح أن يكون المراد: نفي الخوف والحزن عنهم في الدار الآخرة. ثم إن # الذين يتقون الله حق تقاته قد يأخذهم شيء من الحزن في الدنيا، وأوضح شاهد على هذا: قول النبي -صلى الله عليه وسلم- عند احتضار ابنه إبراهيم- عليه السلام -: "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما برضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون"، وقول يعقوب - عليه السلام - فيما قصة الله في القرآن: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله} [يوسف: 86]،
ونفي الخوف والحزن عن المهتدين يوم القيامة كناية عن سلامتهم من العذاب، وفوزهم بالنعيم الخالد في الجنة، فتتم المقابلة بين جزاء المهتدين وجزاء الكافرين المشار إليه بقوله تعالى: {أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}.
{والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}:
هذا معطوف على قوله: {فمن تبع هداي}، واردا مورد المقابل له في تفصيل من يأتيهم الهدى من الله، ومقتضى وقوعه مقابلا له أن يقال: والذين لم يتبعوا هداي أولئك ... إلخ، ولكنه عدل عن ذلك إلى قوله: {والذين كفروا وكذبوا بآياتنا}؛ لأن من لم يتبع هدى الله يشمل من لم تبلغه الدعوة، وغير المكلفين من نحو الصبيان وفاقدي العقل، وهؤلاء ليسوا من أصحاب النار. فظهر أن قوله: {والذين كفروا وكذبوا بآياتنا} جيء به على قدر من يستحقون الحكم عليهم بأنهم من أصحاب النار، والمجازاة بالعذاب الخالد الأليم.
والآيات: جمع آية، وهي في الأصل: العلامة ، وتستعمل في الطائفة من الكتاب المنزل، وفيما يستدل به على وجود الله تعالى وتوحيده، من نحو: بداح مصنوعاته، ومظاهر عنايته بالإنسان.
صفحة ٧٦