موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين
محقق
علي الرضا الحسيني
الناشر
دار النوادر
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣١ هجري
مكان النشر
سوريا
تصانيف
ما حوله: جعلت ما حوله مضيئًا، أو أشرقت فيما حوله. وذهب الله بنورهم: أذهبه؛ أي: سلبه منهم، وإسناد ﴿ذَهَبَ﴾ إلى الله مشعر بان أحدًا لا يستطيع أن يرده إليهم، فما يمسكه الله لا مرسل له. وقال: ﴿بِنُورِهِمْ﴾، ولم يقل: بنارهم؛ لأن إيقاد النار يكون للإضاءة، وللإحراق، والمقصود من إيقاد النار الواردة في المثل إنما هو الإضاءة. وقال: ﴿بِنُورِهِمْ﴾، ولم يقل: بنوره، مع أن مرجع الضمير هو ﴿الَّذِي اسْتَوْقَدَ﴾، وهو بحسب الظاهر مفرد، إما لأن ﴿الَّذِي﴾ قد يطلق بمعنى الذين، وله شواهد من كلام العرب، ومن القرآن نفسه؛ كما قال تعالى: ﴿وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا﴾ [التوبة: ٦٩]، أو لأن ﴿الَّذِي﴾ أريد منه جنس المستوقد، لا مستوقد بعينه، فصار في معنى جماعة من المستوقدين، وصح أن يعود عليه ضمير الجمع في قوله: ﴿بِنُورِهِمْ﴾.
﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾:
الظلمات: جمع ظلمة، وهي عدم النور وانطماسُه. وإيرادها بصيغة الجمع للمبالغة في شدتها، فكأنها لشدة كثافتها ظلمات بعضها فوق بعض. وأكد هذا بقوله تعالى: ﴿لَا يُبْصِرُونَ﴾؛ أي: إن الظلمات بالغةٌ في الشدة، حتى إن أولئك المحاطين بها لا يتأتى لهم كما لا يتأتى لمن طمس على أعينهم أن يبصروا.
ولتطبيق هذا المثل على حال المنافقين وجهان: وجه على مذهب من يرى من السلف أن المثل ضرب في قوم دخلوا في الإسلام عند وصول النبي ﷺ إلى المدينة، ثم صاروا بعد الإيمان إلى كفر ونفاق، ووجه على مذهب من يرى من السلف أيضًا أن المثل ضُرب في قوم إنما دخلوا الإسلام من أول أمرهم نفاقًا.
1 / 36