موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين
محقق
علي الرضا الحسيني
الناشر
دار النوادر
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣١ هجري
مكان النشر
سوريا
تصانيف
ففي جملة: (أشربوا في قلوبهم العجل) مضاف محذوف؛ لدلالة المعنى عليه، وهو لفظ "حب". والتقدير: حب العجل. والمعنى: أن حب العجل خالطهم حتى خلص إلى قلوبهم كما يخالط الماء أعماق البدن. وحذفُ لفظ الحب من نظم الكلام يُشعر بشدة تعلق قلوبهم بالعجل حتى كأنهم أشربوا ذاتَ العجل.
ودل قوله: ﴿بِكُفْرِهِمْ﴾ على أن حبهم البالغ للعجل ناشئ عن كفر سابق، فهو كفر على كفر.
﴿قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾:
لما زعم اليهود أنهم يؤمنون بما أنزل عليهم من التوراة، وكانوا مع هذا الزعم يفعلون أفاعيل تناقض الإيمان بها، أمر الله تعالى رسوله ﵊ بتبكيتهم، وذم ما يرتكبونه من أفعال هي الكفر بعينه، فقال تعالى: ﴿قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾. أضاف الإيمان إليهم، فقال: ﴿إِيمَانُكُمْ﴾، ولم يقل الإيمان؛ لكونه إيمانًا مزعومًا لهم، لا أنه إيمان صحيح. ولما كان الإيمان بكتاب يقتضي العمل بما اشتمل عليه من هداية وأحكام، صحّ أن يعبّر عن ذلك اقتضاء بالأمر، فقال: ﴿يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ﴾؛ كما أطلق النهي على اقتضاء الصلاة لاجتناب الفحشاء والمنكر، فقال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: ٤٥].
وقال: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾؛ تشكيكًا في إيمانهم بالتوراة، وهي في معنى نفي إيمانهم بها، فتكون التوراة بريئة من أن تأمر بشيء يبغضه الله، وتحق كلمة الذم على ما ارتكبوه من عصيان إنما أمرتهم به أهواؤهم. والمعنى:
1 / 172