موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين
محقق
علي الرضا الحسيني
الناشر
دار النوادر
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣١ هجري
مكان النشر
سوريا
تصانيف
﴿قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾:
هذا أمر من الله تعالى للنبي ﷺ بتوبيخ اليهود، وإبطال زعمهم أنهم آمنوا بما أنزل عليهم، والفاء في قوله: ﴿فَلِمَ تَقْتُلُونَ﴾ واقعة في جواب شرط محذوف دل عليه ما جاء بعده من قوله تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾. والمعنى: إن كنتم مصدقين بالتوراة، فلأي شيء تقتلون أنبياء الله، والتوراة لا تسوغ قتل الأنبياء؛ فإنها تدل على أن المعجزة دليل الصدق، ومن كان صادقًا في دعوى النبوة، فقتله كفر.
ويرجع معنى الآية إلى نفي فعل الشرط، وهو كونهم مؤمنين؛ إذ لا وجه لقتلهم الأنبياء إلا عدم إيمانهم بالتوراة. وهذا كما تريد أن تنفي عن رجل العقل؛ لفعله ما ليس شأنه أن يصدر من عاقل، فتقول له: إن كنت عاقلًا، فلم فعلت كذا؟ أي: أنت لست بعاقل.
وقتل الأنبياء وقع من أسلافهم، ويصح توبيخ الخلف بما فعله سلفهم متى كان الخلف يمشي في عماية السلف، ويرضى بما صنعوه من عصيان، وقد حاول اليهود المخاطَبون بقوله: ﴿فَلِمَ تَقْتُلُونَ﴾ اغتيالَ رسول الله ﷺ، وذهب كيدهم في ضلال. وكان الظاهر أن يقول: "فلم قتلتم الأنبياء من قبل؟ "؛ لأن القتل وقع وانقضى، ولكن قال: ﴿تَقْتُلُونَ﴾؛ ليدل على أن قتلهم الأنبياء يتجدد، ويقع منهم المرة بعد الأخرى، فهو شأن من الشؤون التي كانت عادة جارية بينهم.
وأضاف الأنبياء إلى الله، فقال: ﴿أَنْبِيَاءَ اللَّهِ﴾؛ للدلالة على شرفهم العظيم، ولزيادة التنبيه لفظاعة عصيان اليهود؛ إذ يقابلون بالقتل من لا ينبغي لهم إلا أن يقابلوهم بالطاعة والتعظيم.
1 / 169