والبعد فلا بعد، تقدم العدم وجوده، والكون أزله، قيوم بلا غاية، دائم بلا نهاية، ذو النور الأكبر، والفخر الأفخر، والظهور الأظهر، والطهور الأزهر، مدهر الدهور، ومدبر الأمور، باعث من في القبور، وجاعل الظل والحرور، ذو اللطف اللطيف، والعلم المطيف، والنور المتلألئ، والكبرياء المتعالي، الذي لا يسأم من طلب إليه، ولا يتبرم من حاجة الملح عليه، إذ لا يجوز عليه الملال، إذ لا شغل له بشئ عن شئ، ولا آلة ولا فكر ولا مباشرة، مدور الأفلاك، ومملك الأملاك، لا يضع شيئا على مثال، صنعه موقوف على مراده، وأمره نافذ في عباده، لا يسعه علم عالم، ووسع هو كل شئ علما، وأحاط بكل شئ خبرا، كلما ينسب إليه - سبحانه - فهو المتفرد بمعناه، إذ يستحيل أن يشاركه أحد في شئ، لا إله إلا إياه، سبحانه ما أعلمه! وفي العلم ما أحلمه! وفي القدرة على الخلق ما ألطفه! له المشية فهم (1) مع سعة العفو والصفح عنهم، لهم به لطف خفي ونظر حفي، حليم كريم مهول، وينتقم ممن يشاء عدلا منه فلم يظلم أحدا، ولم يجر في حكمه أبدا.
فله الحمد على ما ألهم، وله الشكر على ما وفق وفهم، وعلى ما جاد وأنعم، وله المن على ما قضى وأبرم، وعلى ما أخر وقدم، وله الثناء والمجد الأعظم، نحمده سبحانه حمدا لا يماثل، ونسأله أن يوفقنا لحمد يرضاه وشكر يهواه، لا يشوبه عارض، وأن يعيننا على حمده وشكره، فإننا نعجز عن بلوغ أمده وقدره، ونكل عن إحصاء عدده ووصفه.
اللهم ألهمنا محامدك، ووفقنا لصفاء خدمتك، واكشف لنا عن حقائق معرفتك، وواصلنا بصاف من تمجيدك ووظائف تحميدك، وأنلنا من خزائن مزيدك، وصف لنا الأواني، وكمل لنا منك الأماني، وحقق لنا المعاني، ورضنا بما تقدر مما هو فإن، وارزقنا سريرة نقية، وآلات طاهرة نقية، وعافية وفية، وعاقبة مرضية، ونعمة كفية، وعهودا وفية، وعيشة هنية، وحيطة من كل البرية، وأقبل بنا عليك بالكلية، واعصمنا من الزيغ والهوية، ومن كل مارق غوية، وكل قواطع منسية، يا بارئ البرية، وقاضي القضية، ومجل العطية، ورافع السماوات المبنية،
صفحة ٧٦