ويعلم بمشابهة حال غيره لحاله، أن حكمه كحكمه، وأنه لا بد من الإقرار بوجود صانع للجميع، لبطلان التثنية حسب ما شهد به الدليل.
فصل: وقد ورد في الحديث (1): أن أبا شاكر الديصاني وقف ذات يوم في مجلس الإمام الصادق - أبي عبد الله جعفر بن محمد صلى الله عليه - فقال له: أبا عبد الله، إنك لأحد النجوم الزواهر، وكان آباؤك بدورا بواهر، وأمهاتك عقيلات طواهر (2)، وعنصرك من أكرم العناصر، وإذا ذكر العلماء فبك (3) تثنى الخناصر، خبرنا أيها البحر الزاخر، ما الدليل على حدث (4) العالم؟
فقال أبو عبد الله صلى الله عليه وآله: " إن من أقرب الدليل على ذلك ما أذكره لك، ثم دعا ببيضة فوضعها في راحته وقال: هذا حصن ملموم، داخله غرقئ (5) رقيق، يطيف به كالفضة السائلة، والذهبة المائعة، أشك في ذلك؟ ".
قال أبو شاكر: لا شك فيه.
قال الإمام عليه السلام: " ثم إنه ينفلق عن صورة كالطاووس، أدخله شئ غير ما عرفت؟
قال: لا.
قال: " فهذا الدليل على حدث العالم ".
قال أبو شاكر: دللت - أبا عبد الله - فأوضحت، وقلت فأحسنت، وذكرت فأوجزت، وقد علمت أنا لا نقبل إلا ما أدركت أبصارنا، أو سمعناه بآذاننا، أو ذقناه بأفواهنا، أو شممناه بأنوفنا، أو لمسناه ببشرنا.
فقال الصادق عليه السلام: ذكرت الحواس (6) وهي لا تنفع في الاستنباط إلا بدليل، كما لا تقطع الظلمة بغير مصباح ".
قال شيخنا المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي رضي الله عنه:
صفحة ٣٦