ومن خطبة له في التوحيد عليه السلام:
الحمد لله الدال على وجوده بخلقه، وبمحدث خلقه على أزليته، وباشتباهم على أن لا شبه له، لا تشتمله (1) المشاعر، ولا تحجبه السواتر، لافتراق الصانع والمصنوع، والحاد والمحدود، والرب والمربوب.
الأحد لا بتأويل عدد، والخالق لا بمعنى حركة ونصب، والسميع لا بأداة، والبصير لا بتفريق آلة، والشاهد لا بمماسة، والبائن لا بتراخي مسافة، والظاهر لا برؤية، والباطن لا بلطافة، بان من الأشياء بالقهر لها والقدرة عليها، وبانت الأشياء منه بالخضوع له والرجوع إليه.
من وصفه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن عده فقد أبطل أزله، ومن قال: (كيف) فقد استوصفه، ومن قال: (أين) فقد حيزه، عالم إذ لا معلوم، ورب إذ لا مربوب، وقادر إذ لا مقدور منها: قد طلع طالع، ولمع لامع، ولاح لائح، واعتدل مائل، واستبدل الله بقوم قوما، وبيوم يوما وانتظرنا الغير انتظار المجدب المطر، وإنما الأئمة قوام الله على خلقه، وعرفاؤه على عباده، لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه.
إن الله خصكم بالإسلام واستخلصكم له، وذلك لأنه اسم سلامة وجماع كرامة، اصطفى الله تعالى منهجه وبين حججه، من ظاهر علم وباطن حكم، لا تفنى غرائبه، ولا تنقضي عجائبه، فيه مرابيع النعم ومصابيح الظلم، لا تفتح الخيرات إلا بفاتحهم (2)، ولا تكشف الظلمات إلا بمصابحهم (3)، قد أحمى حماه وأرعى مراعاة، فيه شفاء المشتفي وكفاية المكتفي (4).
صفحة ٦٤