يسألونك عن الزكاة
الناشر
لجنة زكاة القدس
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
مكان النشر
فلسطين
تصانيف
يسألونك
عن الزكاة
تأليف
الأستاذ الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة
منسق ماجستير الفقه والتشريع
كلية الدعوة وأصول الدين / جامعة القدس
1 / 1
الطبعة الأولى
أبوديس / بيت المقدس / فلسطين
١٤٢٨هـ
٢٠٠٧م
من منشورات لجنة زكاة القدس
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 3
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (.
وبعد فإن الزكاة فريضة من فرائض الله ﷿ وقد ورد ذكرها مقترنة بالصلاة في كثير من النصوص القرآنية كما في قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ (سورة البقرة الآية ٤٣.
وقوله تعالى: (وأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (سورة البقرة الآية ١١٠.
1 / 5
وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (سورة البقرة الآية ٢٧٧. وغير ذلك من الآيات القرآنية الكريمة.
وكل هذا يدل على أهمية الزكاة ومكانتها في دين الإسلام، فهي الركن المالي من أركان الإسلام ودعائمه الخمس، ولا شك أن تطبيق نظام الزكاة وفق الأسس والقواعد المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ كفيل بحل مشكلة الفقر لدى المسلمين.
ومن المعروف أن لجان الزكاة في فلسطين لها دور بارز في إحياء فريضة الزكاة وتفعيلها في المجتمع المحلي، على الرغم من أن بعض هذه اللجان لا تلتزم الالتزام المطلوب بأحكام الزكاة بشكل عام، وخاصة ما يتعلق بتوزيعها. فلا بد من تصحيح مسيرة لجان الزكاة حتى تصل إلى الهدف المرجو من وجودها، ولعل من الأوليات لتصحيح مسار لجان الزكاة هو التفقه في أحكام الزكاة، فينبغي أن يكون أعضاء لجان الزكاة على معرفة بالأحكام الفقهية للزكاة بالإضافة إلى تحليهم بالصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة كالصدق والأمانة والعفة ... الخ.
وبناء على ما تقدم وضعت هذا الكتاب الذي جمعت فيه عددًا من المسائل الفقهية المتعلقة بالزكاة وزكاة الفطر والصدقة الجارية، ورغبت أن أضعها بين يدي المهتمين بالزكاة في بلادنا ليكون إضاءة في طريق إحياء هذه الفريضة وحسن تطبيقها في مجتمعنا المحلي.
1 / 6
وفي الختام أشكر الإخوة الكرام أعضاء لجنة زكاة القدس على تفضلهم بطباعة هذا الكتاب فجزاهم الله خير الجزاء وبارك الله فيهم.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه الأستاذ الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة
أبوديس/ القدس المحتلة
صباح يوم الخميس الثامن من جمادى الأولى ١٤٢٨هـ
وفق الرابع والعشرين من أيار ٢٠٠٧ م.
1 / 7
نصوص قرآنية في الزكاة
يقول تعالى: (وأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (سورة البقرة الآية ١١٠.
قال الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (سورة التوبة الآية ١٠٣.
وقال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ (سورة البقرة الآية ٤٣.
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (سورة المؤمنون الآية ٤.
وقال تعالى: (وَرَحْمَتِيْ وَسِعَتْ كُلَّ شَئٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِيْنَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةِ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (سورة الأعراف الآية ١٥٦.
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (سورة التوبة الآيتان ٣٤ - ٣٥.
وقال تعالى: (فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل، ذلك خير للذين يريدون وجه الله، وأولئك هم المفلحون وما آتيتم من ربًا ليربوا في أموال
1 / 9
الناس فلا يربوا عند الله، وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون (سورة الروم الآيتان ٣٨ - ٣٩.
وقال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (سورة التوبة الآية ٦٠.
1 / 10
نصوص نبوية في الزكاة
عن ابن عمر ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: (بني الإسلام على خَمْس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلًا) رواه البخاري ومسلم.
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: (إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ ﷿ فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ فَإِذَا فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ) رواه البخاري ومسلم.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ أَعْرَابِيًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، قَالَ: تَعْبُدُ اللَّهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ، قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا أَزِيدُ عَلَى هَذَا، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا) رواه البخاري ومسلم.
1 / 11
وعن أَبَي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ (ما من صاحب ذهبٍ ولا فضةٍ لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، قيل يا رسول الله فالإبل قال: ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاعٍ قرقرٍ أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلًا واحدًا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مرَّ عليه أولاها رُدَّ عليه أُخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، قيل يا رسول الله فالبقر والغنم قال: ولا صاحب بقرٍ ولا غنمٍ لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاعٍ قرقرٍ لا يفقد منها شيئًا ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مرًّ عليه أولاها رُدَّ عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) رواه مسلم.
وعن جرير بن عبد الله ﵁ قال: (بايعتُ رسولَ الله ﷺ على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم) رواه البخاري.
1 / 12
الأموال الزكوية
1 / 13
أنصبة الزكاة توقيفية لا يجوز تعديلها مطلقًا
يقول السائل: ما قولكم فيمن يزعم أن أنصبة الزكاة المقدرة شرعًا إنما هي من باب السياسة الشرعية وقد وضعها النبي ﷺ لمناسبتها للأوضاع الاقتصادية في عهده ﷺ ولا مانع من تغييرها لتتفق مع الأوضاع الاقتصادية للناس في كل عصر؟
الجواب: من المعلوم عند أهل العلم أن الزكاة من العبادات، والأصل في العبادات التوقيف عن النبي ﷺ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [إن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم وعادات يحتاجون إليها في دنياهم فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع، وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه والأصل فيه عدم الحظر فلا يحظر منه إلا ما حظره الله ﷾ وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله والعبادة لا بد أن تكون مأمورًا بها فما لم يثبت أنه مأمور به كيف يحكم عليه بأنه محظور؟ ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ (سورة الشورى، الآية ٢١]. القواعد النورانية ص ١١٢.
1 / 15
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضًا: [ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى، وإلا دخلنا في معنى قوله: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ (سورة الشورى، الآية ٢١. والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرمه، وإلا دخلنا في معنى قوله: (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلًا (سورة يونس، الآية ٥٩. ولهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما لم يحرمه في سورة الأنعام من قوله تعالى: (وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لشركائنا فَمَا كَانَ لشركائهم فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شركائهم سَاء مَا يَحْكُمُونَ وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاء اللهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَقَالُواْ هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (سورة الأنعام الآيات ١٣٦ - ١٣٨، فذكر ما ابتدعوه من العبادات، ومن التحريمات. وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار ﵁، عن النبي ﷺ قال: (قال الله تعالى: إني خلقت عبادي حُنَفاء، فاجتالتهم الشياطين، وحرَّمَتْ عليهم
1 / 16
ما أحللتُ لهم، وأمَرَتْهم أن يشركوا بي ما لم أنزِل به سلطانا). وهذه قاعدة عظيمة نافعة ...]
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ٢٩/ ١٧.
ومن المعلوم أن تحديد أنصبة الزكاة في الأموال الزكوية ثابت عن النبي ﷺ فقد جاء في الحديث الطويل عن أنس ﵁: (أن أبا بكر ﵁ كتب لهم إن هذه فرائض الصدقة التي فرض رسول الله ﷺ على المسلمين التي أمر الله بها ورسوله، فمن سُئِلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سُئل فوق ذلك فلا يعطه فيما دون خمس وعشرين من الإبل، والغنم في كل خمس ذَوْد شاة، - الذَوْد من الثلاثة إلى العشرة - فإذا بلغت خمسًا وعشرين ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ... وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدةً ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا زادت ففي كل مائة شاة ...). [والحديث بطوله رواه البخاري في صحيحه مفرقًا في كتاب الزكاة فجمعته بحروفه]. قاله الإمام النووي في المجموع ٥/ ٣٨٣.
وورد في الحديث عن معاذ بن جبل ﵁ قال: (بعثني رسول الله ﷺ إلى اليمن وأمرني أن آخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعًا أو تبيعةً، ومن كل أربعين مسنة ...) رواه مالك في الموطأ وأبو داود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي حديث حسن، ورواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود ١/ ٢٩٦.
1 / 17
وحكى الحافظ ابن حجر العسقلاني عن الحافظ ابن عبد البر أنه قال: لا خلاف بين العلماء أن السنة في زكاة البقر على ما في حديث معاذ وأنه النصاب المجمع عليه فيها، انظر نيل الأوطار ٤/ ١٤٩.
وروى ابن عمر ﵄ (أن النبي ﷺ كتب كتاب الصدقة وفيه: وفى الغنم في كل أربعين شاة، شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان، فإذا زادت على المائتين شاة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإن كانت الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاة) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم، وقال الترمذي حديث حسن، وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود ١/ ٢٩٤.
وعن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: قال النبي ﷺ: (ليس فيما دون خمسة أوسق - جمع وسق وهو ستون صاعًا - في التمر صدقة وليس فيما دون خمس أواق - جمع أوقية بضم الهمزة ومقدار الأوقية أربعون درهمًا - من الورق صدقة وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة) رواه البخاري ومسلم.
وعن جابر ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة) رواه مسلم.
1 / 18
وعن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (وفي الركاز الخمس) رواه البخاري ومسلم، وغير ذلك من الأحاديث.
إذا تقرر أن تحديد أنصبة الزكاة توقيفية؛ فلا يجوز لأحد تغييرها بزيادة أو نقص، ولاشك أن الشارع الحكيم له حكمة في هذه التقديرات؛ قال العلامة شاه ولي الله الدهلوي: [الحكمة في أنصبة الزكاة أقول: إنما قدر من الحب والتمر خمسة أوسق، لأنها تكفي أقل أهل بيت إلى سنة. وذلك لأن أقل البيت الزوج والزوجة وثالث-خادم أو ولد بينهما- وما يضاهي ذلك من أقل البيوت. وغالب قوت الإنسان رطل أو مُدٌّ من الطعام، فإذا أكل كل واحد من هؤلاء ذلك المقدار كفاهم لسنة، وبقيت بقية لنوائبهم أو إدامهم. وإنما قدّر من الورق خمس أواق، لأنها مقدار يكفي أقل أهل بيت سنة كاملة إذا كانت الأسعار موافقة في أكثر الأقطار. واستقرئ عادات البلاد المعتدلة في الرخص والغلاء تجد ذلك. وإنما قدّر من الإبل خمس ذود، وجعل زكاته شاة، وإن كان الأصل ألا تؤخذ الزكاة إلا من جنس المال، وأن يجعل النصاب عددًا له بال؛ لأن الإبل أعظم المواشي جثة، وأكثرها فائدة: يمكن أن تُذبح، وتُركب، وتُحلب، ويُطلب منها النسل، ويُستدفأ بأوبارها وجلودها. وكان بعضهم يقتني نجائب قليلة تكفي كفاية الصرمة - مجموعة من الإبل - وكان البعير يسوَّى في ذلك الزمان بعشر شياه، وبثمان شياه، واثنتي عشرة
1 / 19
شاة، كما ورد في كثير من الأحاديث فجعل خمس ذود في حكم أدنى نصاب من الغنم، وجعل فيها شاة] حجة الله البالغة ٢/ ٧٦.
وخلاصة الأمر أن تحديد أنصبة الزكاة توقيفي ثابت عن النبي ﷺ ولا يجوز لأحد مهما كان حاكمًا أو محكومًا أن يغيره بزيادة أو نقص.
اشتراط الحول في الزكاة
يقول السائل: إنه قرأ في كتاب فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوي أنه لم يثبت حديث صحيح في اشتراط الحول في الزكاة فما قولكم في ذلك؟
الجواب: من المعروف عند أهل العلم أن أهم مصدر في المكتبة الإسلامية المعاصرة في موضوع الزكاة هو كتاب فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوي، حيث إنه بحث الزكاة بتوسع وعمق يشكر عليه. وقد تعرض لمسألة اشتراط الحول في الزكاة في موضعين من كتابه ففي الموضع الأول ذكر حولان الحول ضمن شروط المال الذي تجب فيه الزكاة فقد ذكر أنه يشترط فيه ما يلي:
١. الملك التام.
٢. النماء.
٣. بلوغ النصاب.
1 / 20
٤. الفضل عن الحوائج الأصلية.
٥. السلامة من الدين.
٦. حولان الحول.
فقال: [ومعناه: أن يمر على الملك في ملك المالك اثنا عشر شهرًا عربيًا وهذا الشرط إنما هو بالنسبة للأنعام والنقود والسلع التجارية "وهو ما يدخل تحت اسم زكاة رأس المال" أما الزروع والثمار والعسل والمستخرج من المعادن والكنوز ونحوها فلا يشترط لها حول وهو ما يمكن أن يدخل تحت اسم "زكاة المدخل"] فقه الزكاة ١/ ١٦١.
ثم نقل الدكتور القرضاوي كلام بعض أهل العلم في اشتراط الحول وخلاف بعض العلماء في عدم اشتراط الحول ثم قال: [وقد ذكر ابن رشد في سبب الاختلاف أنه لم يرد في ذلك حديث ثابت، ثم عقب الدكتور القرضاوي على ذلك بقوله: وهو توجيه صحيح كما سنبينه في موضعه إن شاء الله] فقه الزكاة ١/ ١٦٣.
وقد وفى الدكتور القرضاوي بما وعد فقد فصل الكلام على الأحاديث الواردة في اشتراط الحول فقال: [روي اشتراط الحول عن النبي ﷺ من حديث أربعة من الصحابة هم علي وابن عمر وأنس وعائشة ﵃ ولكن هذه الأحاديث كلها ضعيفة لا تصلح للحجة] فقه الزكاة ١/ ٤٩٢. ثم فصل الكلام على الأحاديث الأربعة من حيث السند.
1 / 21
وبعد كلام طويل عن الأحاديث السابقة قال الدكتور القرضاوي: [وبهذا البيان يتضح لنا أنه ليس في اشتراط الحول حديث ثابت مرفوع إلى النبي ﷺ] فقه الزكاة ١/ ٤٩٧.
ثم قال في موضع آخر: [إن اشتراط الحول في كل مال - حتى المستفاد منه - ليس فيه نص في مرتبة الصحيح أو الحسن الذي يؤخذ منه حكم شرعي عام للأمة وتقيد به النصوص المطلقة وهذا ما صرح به علماء الحديث وإنما صح ذلك من قول بعض الصحابة كما ذكرنا] فقه الزكاة ١/ ٥٠٥.
هذا مختصر كلام الدكتور القرضاوي في المسألة وقد اعتمد فيما ذهب إليه على كلام بعض أهل الحديث في الحكم على الأحاديث الواردة في اشتراط الحول وأنها ضعيفة لا تصلح للحجة ولكنني أخالفه فيما ذهب وأرى أن ما ذهب إليه الدكتور القرضاوي من عدم اشتراط الحول في الزكاة هو قول ضعيف ومخالف لما عليه جماهير الصحابة وأئمة الفتوى من الفقهاء، انظر المجموع ٥/ ٣٦١، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٢٥/ ١٤.
وقد وقفت بعد البحث والتقصي على كلام لبعض أهل العلم يقوى الأحاديث التي اشترطت الحول في الزكاة فأقول وبالله التوفيق:
إن كلام العلامة ابن رشد الذي ساقه الدكتور القرضاوي وصوبه فيه إثبات قوي لاشتراط الحول وإليك نص كلام ابن رشد: [وأما وقت الزكاة فإن جمهور الفقهاء يشترطون في وجوب الزكاة في الذهب والفضة والماشية الحول لثبوت ذلك عن الخلفاء الأربعة ولانتشاره
1 / 22
في الصحابة ﵃ ولانتشار العمل به ولاعتقادهم أن مثل هذا الانتشار من غير خلاف لا يجوز أن يكون إلا عن توقيف. وقد روي مرفوعًا من حديث ابن عمر عن النبي ﷺ أنه قال: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) وهذا مجمع عليه عند فقهاء الأمصار وليس فيه في الصدر الأول خلاف إلا ما روي عن ابن عباس ومعاوية وسبب الاختلاف أنه لم يرد في ذلك حديث ثابت] بداية المجتهد ٥/ ٧٨ - ٧٩.
وقال الحافظ ابن عبد البر: [وأما الذهب والوَرِق فلا تجب الزكاة في شيء منها إلا بعد تمام الحول أيضًا وعلى هذا جمهور العلماء والخلاف فيه شذوذ ولا أعلمه إلا شيء روي عن ابن عباس ومعاوية أنهما قالا: من ملك النصاب من الذهب والورق وجبت عليه الزكاة في الوقت. وهذا قول لم يعرج عليه أحد من العلماء ولا قال به أحد من أئمة الصحابة ولا قال به أحد من أئمة الفتوى إلا رواية عن الأوزاعي ...] فتح المالك بتبويب التمهيد لابن عبد البر على موطأ مالك ٥/ ٢٠.
وذكر الحافظ ابن عبد البر أن القول باشتراط الحول في الزكاة، عليه جماعة الفقهاء قديمًا وحديثًا، لا يختلفون فيه أنه لا يجب في مال من العين ولا في ماشية زكاة حتى يحول عليه الحول إلا ما روي عن ابن عباس وعن معاوية أيضًا ... ولا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بقول معاوية وابن عباس في اطراح مرور الحول إلا مسألة جاءت عن الأوزاع.
1 / 23