التحذير من البدع
الناشر
الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٢هـ
تصانيف
[الرسالة الأولى حكم الاحتفال بالمولد النبوي]
التحذير من البدع تأليف عبد العزيز بن عبد الله بن باز
صفحة غير معروفة
بسم الله الرحمن الرحيم
الرسالة الأولى الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد:
فقد تكرر السؤال من كثيرين عن حكم الاحتفال بمولد النبي ﷺ، والقيام له في أثناء ذلك، وإلقاء السلام عليه، وغير ذلك مما يفعل في الموالد.
والجواب أن يقال: لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول ﷺ، ولا غيره؛ لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين؛ لأن الرسول ﷺ لم يفعله، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا
1 / 1
غيرهم من الصحابة- رضوان الله على الجميع- ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، وهم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حبا لرسول الله ﷺ ومتابعة لشرعه ممن بعدهم.
وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (١) أي: مردود عليه.
وقال في حديث آخر: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ
_________
(١) متفق عليه، ورواه أبو داود وابن ماجه عن عائشة.
1 / 2
وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» (١) .
ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها.
وقد قال الله سبحانه في كتابه المبين: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧] (٢) وقال ﷿:
_________
(١) خرجه القاضي عياض في الشفاء عن العرباض بن سارية وزاد فيه: [وكل ضلالة في النار] .
(٢) سورة الحشر الآية: ٧.
1 / 3
﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ٦٣] (١) وقال سبحانه: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: ٢١] (٢) وقال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: ١٠٠] (٣)
_________
(١) سورة النور الآية: ٦٣.
(٢) سورة الأحزاب الآية: ٢١.
(٣) سورة التوبة الآية: ١٠٠.
1 / 4
وقال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣] (١) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه: أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول ﵊ لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به، حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به، زاعمين: أن ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم، واعتراض على الله سبحانه، وعلى رسوله ﷺ، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين، وأتم عليهم النعمة.
_________
(١) سورة المائدة الآية: ٣.
1 / 5
والرسول ﷺ قد بلّغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقا يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة، كما ثبت في الحديث الصحيح، عن عبد الله بن عمرو ﵄، قال رسول الله ﷺ: «ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم» رواه مسلم في صحيحه.
ومعلوم أن نبينا ﷺ هو أفضل الأنبياء وخاتمهم، وأعمهم بلاغا ونصحا، فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبينه الرسول ﷺ للأمة، أو فعله في حياته، أو فعله أصحابه ﵃،
1 / 6
فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الإسلام في شيء، بل هو من المحدثات التي حذر الرسول ﷺ منها أمته، كما تقدم ذكر ذلك في الحديثين السابقين.
وقد جاء في معناهما أحاديث أخر، مثل قوله ﷺ في خطبة الجمعة: «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة» رواه الإمام مسلم في صحيحه (١) .
والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها؛ عملا بالأدلة المذكورة وغيرها. وخالف بعض
_________
(١) رواه الإمام أحمد وابن ماجه والنسائي.
1 / 7
المتأخرين فأجازها إذا لم تشتمل على شيء من المنكرات؛ كالغلو في رسول الله ﷺ، وكاختلاط النساء بالرجال، واستعمال آلات الملاهي، وغير ذلك مما ينكره الشرع المطهر، وظنوا أنها من البدع الحسنة، والقاعدة الشرعية: رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله، وسنة رسوله محمد ﷺ. كما قال الله ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩] (١)
_________
(١) سورة النساء الآية: ٥٩.
1 / 8
وقال تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: ١٠] (١) .
وقد رددنا هذه المسألة- وهي الاحتفال بالموالد - إلى كتاب الله سبحانه، فوجدناه يأمرنا باتباع الرسول ﷺ فيما جاء به ويحذرنا عما نهى عنه، ويخبرنا بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول ﷺ، فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا وأمرنا باتباع الرسول فيه، وقد رددنا ذلك- أيضا- إلى سنة الرسول ﷺ فلم نجد فيها أنه فعله، ولا أمر به ولا فعله أصحابه ﵃، فعلمنا بذلك أنه ليس من
_________
(١) سورة الشورى الآية: ١٠.
1 / 9
الدين، بل هو من البدع المحدثة، ومن التشبه بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم.
وبذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق وإنصاف في طلبه أن الاحتفال بالموالد ليس من دين الإسلام، بل هو من البدع المحدثات التي أمر الله سبحانه ورسوله ﷺ بتركها والحذر منها. ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس في سائر الأقطار، فإن الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية، كما قال تعالى عن اليهود والنصارى: ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ١١١] (١)
_________
(١) سورة البقرة الآية: ١١١.
1 / 10
وقال تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١١٦] الآية (١) ثم إن غالب هذه الاحتفالات بالموالد مع كونها بدعة لا تخلو من اشتمالها على منكرات أخرى؛ كاختلاط النساء بالرجال، واستعمال الأغاني والمعازف، وشرب المسكرات والمخدرات، وغير ذلك من الشرور، وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك وهو الشرك الأكبر، وذلك بالغلو في رسول الله ﷺ، أو غيره من الأولياء، ودعائه والاستغاثة به وطلبه المدد، واعتقاد أنه يعلم الغيب، ونحو ذلك من الأمور الكفرية التي يتعاطاها الكثير من الناس حين احتفالهم بمولد النبي صلى الله عليه
_________
(١) سورة الأنعام الآية: ١١٦.
1 / 11
وسلم وغيره ممن يسمونهم بالأولياء.
وقد صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» (١) .
وقال ﵊: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله» أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عمر ﵁.
ومن العجائب والغرائب: أن الكثير من الناس ينشط ويجتهد في حضور هذه الاحتفالات المبتدعة، ويدافع عنها، ويتخلف عما أوجب الله عليه من حضور الجمع والجماعات، ولا يرفع بذلك رأسا، ولا
_________
(١) رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم عن ابن عباس.
1 / 12
يرى أنه أتى منكرا عظيما، ولا شك أن ذلك من ضعف الإيمان وقلة البصيرة وكثرة ما ران على القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي، نسأل الله العافية لنا ولسائر المسلمين.
ومن ذلك: أن بعضهم يظن أن رسول الله ﷺ يحضر المولد؛ ولهذا يقومون له محيين ومرحبين، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل، فإن الرسول ﷺ لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس، ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة، كما قال الله تعالى في سورة المؤمنون: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ - ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون: ١٥ - ١٦] (١)
_________
(١) سورة المؤمنون الآيتان: ١٥ - ١٦.
1 / 13
وقال النبي ﷺ: «أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة وأنا أول شافع وأول مشفع» عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام.
فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث كلها تدل على أن النبي ﷺ وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة، وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع بينهم، فينبغي لكل مسلم التنبه لهذه الأمور، والحذر مما أحدثه الجهال وأشباههم من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان
1 / 14
والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به.
أما الصلاة والسلام على رسول الله ﷺ فهي من أفضل القربات، ومن الأعمال الصالحات، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦] (١) وقال النبي ﷺ: «من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشرا» (٢) وهي مشروعة في جميع الأوقات، ومتأكدة في آخر كل
_________
(١) سورة الأحزاب الآية: ٥٦.
(٢) رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة.
1 / 15
صلاة، بل واجبة عند جمع من أهل العلم في التشهد الأخير من كل صلاة، وسنة مؤكدة في مواضع كثيرة، منها ما بعد الأذان، وعند ذكره ﵊، وفي يوم الجمعة وليلتها، كما دلت على ذلك أحاديث كثيرة.
والله المسئول أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يمن على الجميع بلزوم السنة والحذر من البدعة، إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.
1 / 16
[الرسالة الثانية حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج]
الرسالة الثانية
حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه. أما بعد:
فلا ريب أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد ﷺ، وعلى عظم منزلته عند الله ﷿، كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة، وعلى علوه سبحانه على جميع خلقه، قال الله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء: ١]
1 / 17
(١) .
وتواتر عن رسول الله ﷺ أنه عُرج به إلى السماوات، وفتحت له أبوابها حتى جاوز السماء السابعة، فكلَّمه ربه سبحانه بما أراد، وفرض عليه الصلوات الخمس.
وكان الله سبحانه فرضها أولا خمسين صلاة، فلم يزل نبينا محمد ﷺ يراجعه ويسأله التخفيف حتى جعلها خمسا، فهي خمس في الفرض وخمسون في الأجر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه.
وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها، وكل ما ورد
_________
(١) سورة الإسراء الآية: ١.
1 / 18
في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي ﷺ عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات، فلم يجز لهم أن يحتفلوا بها؛ لأن النبي ﷺ وأصحابه ﵃ لم يحتفلوا بها، ولم يخصوها بشيء، ولو كان الاحتفال بها أمرا مشروعا لبينه الرسول ﷺ للأمة؛ إما بالقول، أو بالفعل، ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر، ولنقله الصحابة ﵃ إلينا، فقد نقلوا عن نبيهم ﷺ كل شيء تحتاجه الأمة، ولم يفرطوا في شيء من الدين، بل هم السابقون إلى كل خير، فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعا لكانوا أسبق الناس إليه، والنبي
1 / 19