سلسلة إيمانيات

محمد حسان ت. غير معلوم
75

سلسلة إيمانيات

تصانيف

أحوال القرآن مع السنة انظر إلى التفصيل البديع لـ ابن القيم ﵀ حيث يقول: السنة مع القرآن على ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن تكون السنة موافقةً للقرآن من كل وجه. يعني: يأتي القرآن فيأمر بالتوحيد، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، فهذه وردت كثيرًا في القرآن، الله ﵎ يأمر عباده بعبادته، ويأمر عباده بالصلاة، ويأمر عباده بالتوحيد في آيات كثيرة جدًا: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ [البقرة:٢٥٦]، ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام:١٦٢-١٦٣] إلى آخر الآيات. ويأمر بالصلاة: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ)، ويأمر بالزكاة: (وَآتُوا الزَّكَاةَ)، ويأمر بالحج: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة:١٩٦]، ويأمر بالصيام: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة:١٨٣] فتأتي السنة هي الأخرى لتأمر بمثل ما أمر به القرآن، ففي الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي ﷺ قال: (بني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا الله -دعوة للتوحيد- وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا) . الوجه الثاني: أن تكون السنة موضحةً لما أجمله القرآن. رب العزة أمرنا في القرآن بالصلاة، قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ [البقرة:٤٣]، افتح لي المصحف من أول سورة الفاتحة إلى سورة الناس؛ وأخرج لي آية من القرآن الكريم تقول: إن صلاة الظهر أربع ركعات؛ هات لي آية في القرآن، مستحيل! هات لي آية في القرآن تحدد لي أركان الصلاة! اقرأ علي آيةً في القرآن تبين لي أسباب بطلان الصلاة، أو تبين سنن الصلاة، أو أحكام الصلاة تبين ذلك، مستحيل! إذًا: أين نجد هذا الكلام؟! في سنة النبي ﷺ، كان يصلي الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ويعلم الصحابة رضوان الله عليهم؛ ثم يأمرهم ويقول: (صلوا كما رأيتموني أصلي) . القرآن قال: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ [البقرة:٤٣]، لكن متى أصلي؟ وكيف أصلي؟ يأتي النبي ﵊ ليوضح ما أجمله القرآن، هذا هو الوجه الثاني: أن تأتي السنة مفسرةً موضحةً مبينةً لما أجمله القرآن الكريم. يقول ربنا ﵎: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة:١٩٦]، كيف نحج؟ متى نقف على عرفات؟ وما هي حدود عرفات؟ وما الفرق بين وادي عرفة ووادي عرنة؟ وكيف نرمي الجمرات؟ ومن أين نأخذ الجمرات؟ كل هذا لا تجد له ذكرًا في القرآن، إنما جاء الأمر مجملًا: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة:١٩٦] . فيأتي الحبيب المحبوب ﷺ ليفصل، ويفسر، ويوضح ما أجمله القرآن في قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة:١٩٦]؛ فيحج أمام الصحابة، ويعلم الصحابة رضوان الله عليهم مناسك الحج والعمرة؛ ثم يلتفت إليهم ويقول: (خذوا عني مناسككم) . هذا هو الوجه الثاني: أن تكون السنة موضحةً لما أجمله القرآن، وعلى ذلك أمثلة كثيرة جدًا في القرآن كله، وكما ذكرت لا يستطيع أحد مهما كان عقله أن يزعم أنه يفهم القرآن بعيدًا عن سنة النبي ﵊. يعني: مثل هؤلاء اجعله يغلق كل كتب السنة، ويقرأ القرآن وحده، ويفهمني من القرآن كيفية الصلاة، وكيفية الزكاة، مستحيل حتى يرجع إلى سنة النبي ﷺ؛ ليقف على تفصيل هذه الأوامر القرآنية المجملة. الوجه الثالث -وهو من أخطر أوجه السنة مع القرآن-: أن تكون السنة موجبةً أو محرمةً لما سكت عنه القرآن. إذًا: السنة مصدر تشريع مستقل تمامًا، اسمع إلى النبي ﵊ ماذا يقول؟ روى أبو داود، والترمذي وغيرهما بسند صحيح من حديث المقداد بن معد يكرب ﵁ أنه ﷺ قال: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه -يعني: القرآن والسنة، وليس الكتاب فقط، انظر إلى التعبير النبوي- ألا يوشك رجلٌ شبعان متكئ على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن -يعني: يكفينا القرآن- فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه -يعني: في القرآن فقط- وما وجدتم فيه من حرام فحرموه -اسمع لسيدنا النبي ﷺ ماذا يقول-: ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي) أخرج لي هذا من القرآن، لا تجدها في القرآن، هذا تشريع جديد، النبي ﷺ يحرم: (ولا كل ذي نابٍ من السباع، ولا لقطة المعاهد) وفي لفظ: (إلا لمن عرفها) وفي لفظٍ: (فإن ما حرم الله كما حرم رسوله ﷺ . فالنبي ﷺ مشرع، فالسنة هنا تحل وتحرم. ومن هنا يتضح لنا أيها الفاضل: أن القرآن أحوج إلى السنة كما رأيت؛ لأنه لا يمكن لعاقلٍ على وجه الأرض أن يفهم القرآن إلا إذا رجع لسنة النبي ﵊؛ فلا ينبغي أن نحقر السنة أو نقلل من شأن السنة، بل إذا نظرت إلى أصحاب النبي ﷺ لرأيت العجب العجاب في اتباعهم للسنة وحرصهم عليها. أذكر نقاطًا سريعة جدًا، يقول الصديق رضوان الله عليه: (إنما أنا متبع ولست مبتدعًا)، ويقول عمر بن الخطاب وهو يقبل الحجر الأسود: (والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك) اتباع للسنة. ويقول علي بن أبي طالب: لو كان الأمر -أمر الدين- بالعقل؛ لكان المسح على باطن الخف أولى من المسح على أعلاه -لأن باطن الخف هو الذي يقع في الأرض- لكني رأيت النبي ﷺ يمسح على أعلاه، فهم يمسحون على أعلاه. كان النبي ﷺ على المنبر يقول: اسمعوا اجلسوا أنصتوا، وعبد الله بن مسعود لم يدخل المسجد بعد، فجلس عبد الله بن مسعود خارج المسجد؛ لأنه سمع قول النبي: (اجلسوا) وهو ما دخل المكان الذي بلغه أمر النبي ﷺ، فجلس، وقد ثبت مثل هذا عن غير ابن مسعود ﵁. هكذا ينبغي أن نكون مع سنة الحبيب ﷺ، وأسأل الله أن يردنا إلى السنة ردًا جميلًا، آمين يا رب العالمين.

7 / 7